يوم يتطلع كل مسلم أن يكون من أهله، يوم (عرفة) وما أدراك ما هذا اليوم، إنه خير يوم طلعت فيه الشمس.. يوم يتجلى فيه الرب سبحانه وتعالى فيغفر لكل إنسان لم يشرك به شيئاً، (هؤلاء عبادي جاءوا شعثا غبرا أشهدكم أني قد غفرت لهم) إعلان منه سبحانه وتعالى يسمعه ملائكته المقربون بهذا البشارة العظيمة لعباده الذين آمنوا به وحده، موقف عظيم من استشعره وهو من أهله فلا مناص من انسكاب العبرات والانطراح والتذلل بين يدي العزيز الجبار طلبا للفوز برضاه، هذا الفوز الذي يحيل الإنسان المثقل بالذنوب والخطايا كما ولدته أمه طاهراً مطهراً من كل دنس خطيئة ووزر ذنب، يا له من فوز عظيم استشعروه أناس فحثوا الخطى نحو هذا الموقف الجليل العظيم من مشارق الأرض ومغاربها وكأن نداء أبيهم إبراهيم عليه السلام كان بالأمس القريب يوم أمره المولى سبحانه بأن يؤذن في الناس بالحج وهو وحيد بعيد عن كل بشر، فسمع نداه كل بشر منذ ذلك اليوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف - كما ذكر الطبري - أن إبراهيم عليه السلام قام من مقامه، ونادى في الناس قائلاً: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك، نعم.. لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك، استجابة تقشعر منها الجلود وتذرف الدموع لعلام الغيوب سبحانه لا شريك له ولا ند ولا مثيل.. لبيك اللهم لبيك معها تصغر الدنيا في عيون أهلها وتتضاءل حتى لا يكون هنا في هذا الموقف العظيم فرق بين كبير بجاهه وسلطانه وغني بماله وثرواته لا يكون بينهم وبين هؤلاء الذين لا يجدون فراشا إلا الأرض ولا غطاء إلا السماء ولا قوتا إلا ما يجاد به عليهم كلهم في هذا اليوم سواء.. كلهم فقراء معدمون.. كلهم يسألون.. كلهم يرفعون أكف الضراعة يسألون ويرجون ويتذللون ويأملون في رضاه سبحانه وتعالى، فيسعد من يسعد ويشقى من يشقى ولا سبيل إلى مجاملة أو محاباة.
لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، أجمل ما يمكن أن تسمعه أذن وأعظم نداء يمكن أن يرفعه عبدٌ لله سبحانه وتعالى، استجابة توحي بالتسليم والانقياد له لا شريك له في ذلك، فهنيئاً لكم حجاج بيت الله أن وفقكم ووقفتم هذا اليوم على هذا الصعيد الطاهر المبارك، نسأل الله أن يتم لكم حجكم وأن يعيدكم إلى أوطانكم سالمين غانمين مغفورا لكم ما تقدم من ذنوبكم، وأن يجزي من سهر على راحتكم خير الجزاء وأوفره. وكل عام وأمتنا وقيادتنا بخير وسعادة.