دعوني أهرب) هذه المرة من بيت (أبي الطيب) الشهير، والذي بات لازمة لكل من يريد أن يكتب شيئاً عن العيد، وكأن العيد لا يكون عيداً إلا إذا أنشدنا: |
(عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيد؟!)، أقول لكم: لو كان لي من الأمر شيئاً لسارعت بحذفه من ديوان جدنا الضخم. فقد بتنا (أسرى) لهذا البيت.. كما كانت (تميم) أسيرة في الزمن الغابر لقصيدة (جرير): |
إذا غضبت عليك بنو تميم |
حسبت الناس كلهم غضابا |
|
المهم.. إنني سأستعيد من الذاكرة التي كانت خضراء مورقة فيما مضى.. قبل أن يداهمها الجفاف، وتسكنها الغربان السود.. بعض البوح الشجي الذي فقدناه.. إذ كنا نتبارى كل عيد في اختيار ما يليق بضيف طال انتظاره، وبما يحفز الحبيب ويرضيه في هذه المناسبة السعيدة: |
أيُّ شيء في العيد أهدي إليك |
يا ملاكي وكل شيء لديك |
أسواراً أم دملج من نضار |
لا أحب القيود في معصميك |
أم وروداً والورد أجمله عندي |
الذي نشقت من خديك |
أم عقيقا كمهجتي يتلظى |
والعقيق الثمين من شفتيك |
ليس عندي شيء أعز من الروح |
وروحي مرهونة في يديك |
الله.. يا (إيليا أبو ماضي)، كم أنت مفتون باللغة الباذخة التي تهطل كرذاذ المطر الربيعي الأخاذ! |
اليوم عيد.. ها أنت تعود إلينا يا صديقي الطفولة.. لتذكرنا بمن نُحب.. لتزيل غبش السنين الرمادية التي طالما اقتات على أفراحنا، وصفائنا، وبقايا براءتنا الأولية. |
ترى.. هل تغيرت يا عيد؟ أم ترانا نحن الذين تغيرنا؟ |
فالناس لم يعودوا هم الناس الذين نعرفهم.. ولا المكان هو المكان الذي نعرفه ونهيم به: |
(مال المنازل أصبحت: لا أهلها أهلي ولا جيرانها جيراني؟) |
باتت أعيادنا ملوثة بالمجاملات.. ليس أقله من هذا الجهاز (الجوال) الذي يدمر مشاعرنا وحرارة تلاقينا من خلال رسائله القصيرة.. (كل عام وأنت بخير)! |
عيدنا العربي خليط من رائحة الدم الطازج، والقتل، وعذابات الأطفال الذين لم يعرفوا طعماً للعيد كما عرفناه نحن.. وحين كان العيد عيداً يجتمع فيه الأحبة والأصدقاء والجيران، وتشرع أبواب البيوت لاستقبال المهنئين بالعيد. |
أين من عينيّ ذلك الزمن البعيد الذي كنا نتسابق في الاحتفاء بالزائر الجميل (العيد) (ويطفق الفؤاد) ليطرز عبارات الوله والمحبة والشوق.. لمن يخفق لهم.. لمن نحب: |
(كل عيد وأنت في ألف خير |
وصباحات ودنا تتجلى |
أنت والعيد في حياتي عيد |
أي عيد على حياتي أطلا |
عيدك مبارك يا أماه. اذكر تهديدك اللذيذ، حين ترتفع أصواتنا بالضجيج ليلة العيد: اصمتوا.. لا تغضبوا العيد فلا يأتي! وحين نسأل أين هو الآن.. تشيرين إلى الجبل البعيد: هناك ينتظر الصباح ليأت.. أووواه، أين نحن من هاتيك الليالي يا أماه؟! |
عيدك مضيء كألق الصبح الجبلي أيها الوطن الجميل، يا من تسكن تجاويف الجمجمة، وحنايا الضلوع. أتذكرك كل عيد، وكل لحظة.. وأصرخ: |
|
عيدكم مبارك يا أحبتي وأصدقائي وقرائي. |
وحدكم زيت مصباحي، ومصدر إلهامي الذي استمد منه حب الحياة والناس.. وكل عام والجميع بخير!! |
|