لخص سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز قبل أيام في حديثه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، أن أساس الأمن الفكري، هو: سلامة العقيدة، وصلابة الفكر، الذي يقود الإنسان في مسارات حياته المختلفة. فكانت تلك العبارة أختاً لعبارات أخرى انسابت عذوبة عندما خرجت من لسانه، وهي تضع النقاط على الحروف لمواجهة تحديات العصر، لأن من تزعزعت عقيدته، وانحرف فكره، سيرتكز على لغة معادية للدولة والمجتمع، وسيتحول إلى مشروع إرهابي لتقديم صورة مشوهة للإسلام، وزعزعة الأمن والاستقرار، وسفك دماء الأبرياء وتدمير الممتلكات. وللحديث صلة عن الإرهاب، إذ إنه حالة شاذة تفسر الإرادة الشريرة، فهو قبل أن يكون سلوكاً يسبقه تكوين رؤية فكرية، واستعداد نفسي لدى الفرد، لتدفع بصاحبها إلى القتل والتفجير والتخريب. ويرى بعض الباحثين، أن ظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة لا يمكن تفسيرها بسبب واحد، لأنها حصيلة تنشئة ذهنية، ورؤية فكرية، مما يستلزم من المؤسسات التربوية والتعليمية دوراً أكبر من أجل الوقوف على أسباب نشأة الإرهاب، والحيلولة دون وصولها إلى الشباب، وعلاج من وصل إليهم من خلال الدراسة المعمقة والتشخيص والتحذير منها بهدف استئصالها.
ومن المؤكد أن القمع ضد الإرهاب لا يولد إلا إرهاباً. وهو ما لم تنتهجه المملكة أسلوباً وحيداً في تعاملها مع الخلايا الإرهابية. فبالإضافة إلى الجهود الأمنية التقليدية. وهي سياسات قصيرة الأجل. بادرت وزارة الداخلية السعودية بانتهاج سياسات طويلة الأجل، والمتمثلة في البحث والتحليل، وتطوير إستراتيجية مكافحة الإرهاب والأشكال الجديدة المتوقعة له. وهو ما ذكره -الباحث- في معهد (كارنيغي) للسلام الدولي (كريستوفر باوسيك)، في مقال نشرته صحيفة (كريستيان ساينس مونتور)، من أن: المملكة انتهجت أيديولوجية جديدة لمكافحة مبررات العنف والتطرف داخل المملكة. ويتكون هذا النهج الذي بدأ منذ سنوات من ثلاثة عناصر: برنامج لحماية المواطنين من أن يصبحوا متطرفين ويلجأوا للعنف، وبرنامج لإعادة تأهيل يهدف إلى شجب العنف، وبرنامج الرعاية اللاحقة لمنع نكوص المعاد تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع.
ويضيف الكاتب: إن إدارة أوباما يمكن أن تتعلم مما فعلته المملكة العربية السعودية مع المحتجزين من إعادة تأهيل وحول هذا المعنى يضيف -السفير الأمريكي- (فراكر)، أثناء انعقاد المؤتمر القومي للعلاقات الأمريكية- العربية: إن المملكة تمكنت من هزيمة القاعدة، وهي التجربة الوحيدة التي هزمت فيها القاعدة، ليس بالوسائل الأمنية وحدها، وإنما بالحوار الديني والفكري. وأضاف: أعتقد أن تجربة السعوديين في مواجهة القاعدة، تستحق أن تدرس بعناية كنموذج على سبل مكافحة الإرهاب، لتطبيقها في دول أخرى. ولقد بدأت برامج مماثلة للنهج السعودي في سنغافورة وماليزيا ومصر وأندونيسيا والعراق.
صحيح لا توجد حلول سحرية لمكافحة الإرهاب، إلا أنه من المهم، أن نعرف أن الإرهاب فكر، فهو منتج فكري، والفكر لا يحارب باستخدام القوى العسكرية فقط. بل إضافة إلى ذلك، لابد من مواجهته فكرياً عن طريق قنوات الحوار المشروعة من خلال وسائل الإعلام، فهي تلعب دوراً مهماً في القضاء على الإرهاب. أيضاً، من خلال الندوات والمؤتمرات والمحاضرات، فلا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بالقضاء على أسبابه، عن طريق الدراسات الجادة والتعمق في تتبع جذوره، من أجل إيجاد حلول لتلك المشكلة.
كما أن الصلة الوثيقة بين علماء الأمة وشبابها مطلب مهم، فالعلماء هم عصمة الأمة من أفكار نشاز، وسيظل الشباب ملتفين حول العلماء ما داموا محل ثقتهم، يعبرون عن مشاكلهم ويتحمسون لقضاياهم، فإليهم يرجعون ومنهم يأخذون، ومن ذلك: دراسة العلوم الشرعية وفق الفهم الشرعي الإسلامي الصحيح، بعيداً عن التفسيرات المغلوطة الضيقة، أو الدعوات الاستئصالية. مع ضرورة تنشئة أجيال تؤمن بالحوار، وتقبل بوجهة النظر الأخرى وفق كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتركز على احترام الآخر وتحترم حقوقه والتأكيد على أهمية تطوير المناهج وفق نظرة شاملة للمتغيرات الدولية، وتلبية الاحتياجات التنموية، من أجل بناء فكر معتدل في مواجهة فكر منحرف، لأن المطلوب هو حلحلة هذه القناعات وتعريتها، متجاوز الوسائل التقليدية في التوعية.
drsasq@gmail.com