غابت شمس النهار وحلَّ ظلام الليل على صفحة الزمن وإنسان القضية في حالة استسلام لناموس ثابت لا يستطيع التمرد عليه.
ويطرق الليل باب النفس منبهاً مكونات النفس بلزوم التواجد للبحث في حصيلة ذلك النهار، والليل بظلامه يستمد حيويته من إنسان القضية..
.. فمن دون مكونات النفس في حوار كهذا ينشل عقله وتزيد بالمقابل كوابيس الليل على إنسان القضية، وإن أشفق الليل تبدلت الكوابيس إلى أحلام.
وبحضور الضمير والنفس المطمئنة يبدأ الحوار والجدل، وهنا تفرض النفس الأمارة بالسوء حضورها بوجود فعال، وفي أعماق الليل وسواده يرحل الليل بمكونات النفس لمزيد من التفاصيل حول الأرباح والخسائر والخطأ والصواب وعن الكلمة والمعنى وما دفع بها للقول بكذا وكذا، وفي أحسن الأحوال يكون الجميع في جلسة مراجعة. ولكن قد يتداخل الوهم بالحقيقة، والحقيقة بالقدرة، والقدرة بالحظ، والحظ بالفرصة، لتصبح القضية في أحضان الخيال بما احتوى من وساوس وقلق وإحباط.
وقد يصاحب إنسان القضية بدلاً من هذا نشوة وبهجة، فالأمر يعتمد على مقدار النجاح والفشل لحصيلة كل نهار. ويستمر الحوار في كل الأحوال بنشوته أو إحباطه، ويستجيب إنسان القضية للمناخ وفق طبيعة الإنسان ووفق مفاهيمه وتجربته وخبرته ومقدار علمه، فالخطأ صواب والصواب خطأ حيث يتباين فهم القضية بين إنسان وآخر، وبأي كيف تأتي النتائج فإن استقرار الإنسان مع القضية يعتمد على وعيه ومدى خبرته مع كل القضايا، ليأخذ به منهاج منظم بحثاً عن حلول للإشكال إن وجد، أو الإمكانية لتطوير النجاح إلى المزيد.
والخسارة والربح في أدبيات مثل هذا الحوار الذاتي لا يعني ربحاً أو خسارة في مال، بل هو أشمل ليغطي كل منحى من نشاط وعمل إنسان القضية واهتماماته.
إن قمة النجاح تكمن في حالة التبادل بين الخسارة والربح. وإنسان القضية أقدر على احتواء قضيته لتصبح الخسارة ربحاً والربح يمهد إلى المزيد. وقمة الفشل أن يستبد بإنسان القضية إحباط يحل كنتيجة لوهم أو عجز بوساوس ومزيد من القلق. فضيق الصدر من ضيق الوعي كما قيل، وهو قول صحيح فإنسان القضية يؤكده عن سابق خبرة وتجربة.
والإرادة أساس لأي قرار تتجه له القضية وفي خبرة إنسان القضية رؤى كثيرة من أهمها أن للغد قضية وأن القضايا في تزاحم يلحق بعضها ببعض مع استمرار الحياة وكل الحلول بيد إنسان القضية.
وللصبر أثره الفعال لمزيد من الخبرة حيث النجاح وكذلك الفصل بين الأهداف وامتلاك الإرادة التي بها يصل. ونقاء السريرة طريق آخر للنجاح، كما أن العلاقة بين العمل ووسائله والإنسان على أرضية يسودها انسجام وارتياح شرط للنجاح.
ويستمر الحوار ليسمع صاحب القضية كلمة الضمير منبهاً إلى كلمة قالها بين أصدقاء وأن لها أبعاداً قد تؤثر على علاقات متينة تربط صاحب القضية منذ سنين بمن وجهت له، فتصده لهذا القول النفس الأمارة بالسوء لتقول كان لا بد أن يعبر عن سخطه بما هو أقسى من الكلمة. ولقد حاولت معه أن يفعل إلا أنه أبى ذلك وفق إملاءات الضمير.
احتد النقاش مما دفع بالنفس المطمئنة لتتقول وقد ثمنت ما قال به الضمير قائلة إن الكلمة قد صدرت ولا بد أن لها أثراً، فإذا كانت العلاقة وطيدة كما سمعت فإن علاقة كتلك ومن خلالها لن يسيء أحد الفهم وقد كان في حالة من الغضب الذي تلبسه. وفي كل الأحوال صار ما صار وبالإمكان الاعتذار لينتهي كل أثر نخشى منه. وتنبه الليل بعد صمت طويل قائلاً: إنني أخشى النهار فلقد تجاوزت ساعة نومك وعمري معدود بالساعات فحافظ على قيمتي وخدماتي الرائعة لك، فاذهب لتنم الآن. وقد استسلم صاحب القضية لقول الليل فبدأه النعاس حتى غط في نوم عميق.
وحين أشرقت بوادر شمس النهار سمع صاحب القضية صوتاً قاسية نبراته يستعجله بالذهاب لعمله مهدداً حيث قال: محروم من النشاط والحيوية من سهر الليالي. ومع نهار جديد يتواصل العمل بجهد يتذكر معه إنسان القضية حوار البارحة ومدى فائدة ما دار، فحمد الله على حسن الضمير وأنه لم يصغِ لهمزات النفس الأمارة بالسوء، وكان فرحاً بما اطمأن له ضمير يقض ونفس مطمئنة بعدل واتزان.