قال الله تعالى على لسان آسية بنت مزاحم - رضي الله عنها - زوجة الطاغية فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}. |
يقول المفسرون : اختارت الجار قبل الدار، وهو معروف عند العرب، فقالوا: الجار قبل الدار. |
ولقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه)، أي من شدة تأكيده على حق الجار ظن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل سيجعل له من الميراث جزءاً! |
وفي حديث آخر يبين لنا رسول الهدى - عليه صلوات الله وسلامه - كيف أن إيذاء الجار والإساءة إليه قد تكون مانعةً من دخول الجنة، فيقول: (لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جارُهُ بوائقَه). |
أي لا يدخل الجنة من لا يكف شروره عن جاره. |
ومن زاوية أخرى يوجهنا رسول الرحمة إلى أمر نراه يكاد يندثر هذه الأيام، إن لم يكن قد اندثر وزال من قاموس تعاملاتنا مع جيراننا في هذا العصر، فنراه - صلى الله عليه وسلم - يقول لأبي ذر - رضي الله عنه -: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقةً، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك). |
فإلى عهد قريب كان هذا الفعل الرائع والبالغ الجمال له وجود، ويحرص عليه الناس أشد الحرص، بل وعند أي مناسبة تقام فإن صاحبها لا يتردد في دعوة أقرب جيرانه إليه، ويُقدَّم لأهل البيتين الملاصقين له نصيباً من طعام الوليمة سواءً كانوا أغنياء أم فقراء! |
وعَوداً على إكرام الجار واحترامه، وستر عوراته وعدم إيذائه، وهذا ما جاء به الإسلام وأمر به، فإن هذا الأمر مما عُرِف وعُهِدَ عن العرب قبل الإسلام ومن ذلك قول عروة بن الورد: |
ولا يُستضام الدهرَ جاري ولا أُرى |
كمن بات تسري للصديق عقاربُه |
وإن جارتي ألوت رياح ٌ ببيتها |
تغافلتُ حتى يستر البيت جانبُه |
وقريب من قول عروة ، قول عنترة بن شداد الأشهَر: |
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي |
حتى يواري جارتي مأواها |
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد |
لا أُتبِع النفسَ اللجوجَ هواها |
والخير لا ينعدم من هذه الأمة فنرى مَن يرعى حرمات الناس وبالأخص الجيران، ويحفظ حق الجوار تمام الحفظ. |
وأفضل وأزكى وأطيب ممن أكرَمَ جاره وكفَّ أذاه عنه، هو مَن يتمعَّر وجهه ويغضب أشد الغضب عندما يبصرُ مَن يتكشف بيت جاره من أي شخص كائناً مَن كان. كما فعل أحد الجيران عندما أبصر عاملا من عمال توصيل الطلبات ينظر إلى داخل بيت جاره بصورة مريبة، فبادر إليه وكاد يقضي عليه، وهدده بالويل إن رآه مرة أخرى في هذا الشارع كله! بل وأبلغ جاره عما حصل من هذا العامل. |
فلنحافظ على هذا العُرف العربي الأصيل، الذي أقره ديننا الحنيف، فهو يعزز تماسك المجتمع، ويقوي روابط الأخوة والمحبة بين أفراده. |
|
بكت عجوز على ميت فقيل لها: بماذا استحق هذا منك؟ |
قالت: لقد جاورنا، وما فينا إلا مَن تحل له الصدقة، ومات وما منا إلا مَن تجب عليه الزكاة. |
|