الجامعة في أبسط معانيها، هي مكان يلتقي فيه طلاب العلم مع مدرسيهم بقصد طلبه ونشره. والمرحلة الجامعية، هي مرحلة عليا في سلم التعليم في أي مجتمع، تستهدف تهيئة المناخ العلمي لعضو هيئة التدريس والطالب قطبي العملية التعليمية؛ لتحقيق التنمية العلمية لهما بما يتناسب مع مستوى هذه المرحلة.
والظاهرة في أبسط مدلولاتها، هي حالة تتكرر وتحتاج إلى حل أو حلول التي من شأنها أن تحدّ منها أو تلغيها. وتتكاثر الظواهر في التفاعلات الإنسانية بحكم أنّ موضوعها الإنسان الذي يختلف عن نظرائه في عوامل عدّة دينية وجسمية وعقلية واجتماعية ونفسية وتربوية واقتصادية ودراسية ونحوها.
إنّه من الأمور المسلّم بها أن تتوافر الظواهر في هذا النوع من التفاعلات في الحياة الجامعية، لكن ما يؤثر في نفس المرء الغيور على أبناء مجتمعه وعلى سمعة جامعته وعلى إحساسه بمعاناة بعض أسر الطلاب الذين ينتظرون تخرُّج أبنائهم من الكلية ليساهموا معهم في تحمُّل أعباء الحياة، وجود ظواهر تصدر من بعض أعضاء هيئة التدريس وبعض الطلاب التي لا ترقى إلى ما هو مأمول منهما، ومنها:
* تكرار حمل بعض الطلاب لمواد دراسية، والمؤلم في هذه الظاهرة أنّ هذه الفئة من الطلاب لم تتخذ من حالات تكرار حمل هذه المواد دروساً وعبر، فكما هو معروف علمياً أنّ الظواهر الإنسانية يصعب تكرار حدوثها؛ لأنها بمثابة مواقف تعليمية، والعجيب أنّ المرء إذا نظر لمفردات هذه المواد وإلى متطلّبات اجتيازها لا يجد فيها ما يستدعي الحمل المتكرر. فهؤلاء يأتون يومياً للكلية ويحضرون لمحاضراتهم، لكن قد تجمد لديهم الإحساس بالنجاح. أليس من باب أولى أن يتولى كل قسم علمي تتكرر حالات حمل الطلاب مواده دراستها والعمل على حلها؛ لأنّ من واجباته المهنية أن تتوافر فيه لجنة لدراسة مشكلات الطلاب الذين يدرسون مقرراته.
* ازدحام مكاتب أعضاء هيئة التدريس في بداية كل فصل دراسي بالطلاب الذين يسألون عن من مدرسي المقررات المطلوبة منهم، والمؤلم في هذه الظاهرة تزايد أعداد الطلاب في شعب عضو هيئة تدريس وقلّتهم في شعب عضو هيئة تدريس آخر يدرسون المقرر ذاته. ألا تلفت هذه الحال المسئولين في شئون الطلاب في الكليات والمسئولين في عمادة شئون القبول والتسجيل بالجامعة.
* تكرار حذف بعض الطلاب لمقررات معيّنة، والمؤلم في هذه الظاهرة أنّ هؤلاء يتجاوز بقاؤهم في الكلية المدة المسموح بها لائحياً وبالتالي يتأخرون عن التخرج فيها، وهذا يعد شكلاً للهدر في الجامعة. فمن واقع التجربة يلجأ بعض الطلاب الذين يتوقعون حمل مقررات عدة أو حرمانهم من دخول اختبارات نهاية الفصل إلى حذف هذه المقررات. أليس من باب أولى أن يكتب الطالب على نفسه تعهداً خطياً بالانتظام في الحضور وتنفيذ توجيهات مدرسي المقررات؛ ليكون قادراً على اجتياز هذه المقررات بنجاح أو لا يقبل أي طلب للحذف إلاّ في ظروف ملحّة وتقتنع بها شئون الطلاب. * تدني المعدلات التراكمية لبعض الطلاب، والمؤلم في هذه الظاهرة أنّ هؤلاء قد يجهلون معنى المعدّل التراكمي ولاسيما الطلاب حديثو العهد بالجامعة ولا يتنبهون إليه إلا في المستويات المتقدمة من الدراسة في الكلية. لا يكفي لقاء مسئول في الكلية أو الجامعة مع الطلاب الجدد يمتد ساعة زمن ثم ينتهي ويخرج هؤلاء من مكان الاجتماع وقد تسرّب من أذهانهم كل شيء تلقوه في أثناء هذا اللقاء. أليس من باب أولى تخصيص أسبوع على الأقل أو شهر على الأكثر لتعريفهم بمتطلبات الدراسة الجامعية وضوابطها. أليست هناك ما يسمى بالسنة التحضيرية للطلاب في تخصصات معيّنة.
* تكرار منح بعض الطلاب فرصاً استثنائية لمواصلة الدراسة واشتراط الكلية رفع معدلاتهم، والمؤلم في هذه الظاهرة أنّ هؤلاء أخذوا فرصاً للدراسة ولم يستفيدوا منها وعطلوا منح طلاب آخرين فرص الدراسة بالكلية.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ماذا ينتظر من هذه الفئة من الطلاب التي تجاوزت السقف في منح الفرص الاستثنائية؟ أليس من الأولى دراسة ظروفهم التي دعت إلى هذه الحال والعمل على معالجتها ثم تمكينهم من مواصلة الدراسة، بدلاً من تكرار حالات الفشل والإخفاق؟.
* تدني مستوى تقدير كثير من الطلاب لقيمة العلم بحيث لا تجد في القاعة الدراسية من يتفاعل معك إلا عدد قليل، والبقية الباقية في سكون مطبق على الرغم من حرص عضو هيئة التدريس على جعل القاعة الدراسية مثل خلية النخل بالحيوية والنشاط، وعند التكليف بمتطلبات اجتياز المقرر تجد الأعذار والغياب بعذر لا يقبله من ليس له عقل.
* تدني مستوى إحساس بعض الطلاب بالمسئولية فتراه يتخلّف عن حضور محاضراته ولا يتابع مع زملائه ما قد يفوته من محاضرات وما يكلفون بأنشطة، والأدهى من هذا أنه عندما لا يقدم من هذه الأنشطة شيء فإنه يتعذّر بأنه كان غائباً. ماذا يريد مثل هؤلاء الطلاب من عضو هيئة التدريس؟ هل يريدون منه أن يقوم بالاتصال بهم وإخبارهم ما فاتهم.
- أستاذ مشارك - كلية المعلمين، جامعة الملك سعود
drmusaedmainooh@hotmail.com