طرحت الجزيرة في رأيها في عدد أمس أربعة تساؤلات مهمة للغاية حول أسف الرئيس الأمريكي قبل مغادرته النهائية ليس للبيت الأبيض وإنما لمنصة القرار وسلطة التوقيع عن خطئه الفادح في عدم مصداقية أسباب حرب العراق.. وانتصبت الأسئلة حول محاور أربعة هي:
أولاً: (هل على أمريكا أن تقوم بدفع تعويضات لكل من تضرر بسبب هذه الحرب، وخصوصاً العراقيين..؟).. ثانياً: تساءلت الجزيرة حول ما يترتب على ذلك قضائياً بقولها: (أليس من العدل محاكمة أولئك الذين أخطأوا وتسببوا بخطئهم في مقتل مئات الآلاف من البشر وتشريد أضعافهم ووضع المنطقة والعالم كله على برميل من البارود؟!). ولم تغفل الجزيرة ما يترتب على ذلك من توقعات تنبثق عن الملاحقات القضائية التي قد توصل إلى: (إلى كشف معلومات أخطر بكثير مما نتوقع وتتعلق بمصائر شعوب بأكملها!).... ثم استشرفت الجزيرة ما يمكن أن يؤدي بسؤالها الثالث ما: (مدى الثقة التي يمكن أن تمنح للاستخبارات الأمريكية، وبالتالي لصحة قرارات الإدارات الأمريكية المقبلة.؟) وعقبت على سؤالها متوقعة أن: (الشعب الأمريكي على سبيل المثال لن يثق بكل دعاية مبنية على معلومات استخباراتية، بحجة أن من أخطأ مرة قد يخطئ مرات أخرى، وخاصة لو كان خطؤه فادحاً تسبب في حرب كلفت عدداً مهولاً من الأرواح والأموال، وضياع مثير للأعصاب للجهود الحقيقة التي كان يفترض أن تسخر لمكافحة الإرهاب، وعدم تشتيت هذه الجهود هنا وهناك!.)..
ثم أثارت الجزيرة بسؤالها الرابع سؤالاً آخر لن تنتهي بعده سلسلة التسؤلات أبداً إذ قالت: (عن الأخطاء المحتملة حول القضايا الأخرى وخاصة قضايا الاقتصاد العالمي، والسلام الدولي ولاسيما في الشرق الأوسط، فمن الواضح أن الأزمة المالية العالمية هي نتيجة لقرارات اقتصادية أمريكية خاطئة مبنية على معلومات وفلسفات خاطئة، وكذلك فإن تعثر السلام في الشرق الأوسط ناجم -إضافة إلى الإجرام الإسرائيلي- عن أخطاء الإدارات الأمريكية وتحيزها الأعمى للدولة العبرية!. وكأن الأخطاء الأمريكية موزعة بإتقان هنا وهناك). وانبثق من هذا سؤال خامس جاء عن هذا الأخير بقولها: (وأخيراً نتساءل عما ستكون عليه الإدارة الأمريكية القادمة برئاسة باراك أوباما؛ فهل ستتوخى الحذر كي لا تقع في أخطاء كارثية كالتي وقعت فيها إدارة بوش، أم أن ذلك صفة أمريكية لا فكاك منها!.)... الناس لا أحسب ستغفر للإدارة الأمريكية أو تمرر كل هذه الأخطاء الجائرة في حق الإنسانية وحرية الشعوب، تلك الأخطاء التي أدت إلى تدمير الإنسان في عقر داره والقضاء على حضارته وآثاره وقتل علمائه وعناصره البشرية بحجة القوة والهيمنة.
هناك صور مؤكدة لقسوة وغرور هذه الدولة الكبرى تتمثل في مجموعة أفلامها المكثفة بالجريمة وقصص الإرهاب وأساليبه المخيفة الدالة على ذهنية مخططة للهيمنة على كل ذرة في تراب الكرة الأرضية.. عنها ينشرون القسوة ويشيعون الدمار ويحلون القتل ويعلمون أساليب الجريمة المقننة.. ويدعون السلام ويشفقون على الحيوان.. فهل بمثل ما يعاقب المجرمون وبما يدعونه من ديمقراطية يحكم على المتسبب في دمار العراق وغيره بخطأ تم الاعتراف به تماماً كما يعترف المجرم فيناله العقاب.. لينال العقاب من تسبب في هذه الجريمة البشرية الكبرى؟ هنا تكون موازين العدالة التي يدعونها صحيحة.. وبعدها نفكر في التعويضات لأنها لن تعيد أرواح الأبرياء ولن تلم قطرات الدماء في عروقها... ولن تعيد إرثاً تدمر مضى به تأريخه وإن بنيت الدور وقامت المنشآت من جديد.
تحية لـ(الجزيرة) أن فتحت نافذة للرأي حول الاعتذار الذي جاء كالورقة المرطبة لمسح الوجه.