لم تدخر حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز جهداً في توفير كل ما يلزم لتيسير أداء ضيوف الرحمن لمناسك الحج، ولم تبخل عليهم باعتماد ميزانيات ضخمة لتطوير جميع المرافق والخدمات بالمشاعر المقدسة، لاستيعاب ملايين المسلمين القادمين من جميع أنحاء العالم لأداء هذه الفريضة الغالية.
والحمد لله، لقد أسهمت هذه الجهود خلال العقود الثلاثة الماضية في إتاحة الفرصة لتزايد أعداد الحجاج عاماً بعد عام، بما يتناسب والزيادة المطردة في عدد المسلمين الراغبين في أداء فريضة الحج، وما أعمال توسعة (المسعى) الأخيرة إلا دليل على هذه الجهود المستمرة، التي يشيد بها العالم كله، ويشهد بضخامتها، ويقدر عظيم أثرها لأمن ضيوف الرحمن وسلامتهم.
وحتى تؤتي هذه الجهود ثمارها، ويتضاعف خيرها، لابد أن يعي كل منا أن إدارة وخدمة اجتماع هذا العدد الهائل من المسلمين في مكان واحد، ووقت واحد، خلال موسم الحج، ليس بالأمر الهين، ولا يمكن أن يكون مسؤولية الجهات الحكومية العاملة في تنظيم الحج وحدها، بل هي مسؤوليتنا جميعاً، بما في ذلك الحجاج أنفسهم، من خلال الالتزام بالأنظمة والقواعد، التي وضعت لأمنهم وسلامتهم وتيسير أدائهم لمناسكهم، فالمرافق والإنشاءات والخدمات التي كلفت مليارات الريالات، لا تكفي وحدها ليخرج هذا الاجتماع الإيماني العظيم في أطهر بقاع الأرض بالصورة التي نطمح إليها، ما لم يرافقها حرص كل حاجٍ على سلامة إخوانه المسلمين وراحتهم، في جو من الأخوة الإيمانية التي تذيب كل الفوارق والاختلافات الخاصة بالجنسيات والأعراق والألوان واللغات، فوحدة مظهر المسلمين في ملابس الإحرام هي مظهر لوحدة أعم وأشمل أرادها الخالق -سبحانه وتعالى- عندما جعل الحج أحد أركان الإسلام.. وهي وحدة تتنافى مع بعض السلوكيات التي نراها في الحج من تزاحم وتدافع أو خروج على التعليمات التنظيمية، أو إساءة استخدام المرافق، وغيرها من السلوكيات الأخرى.
البعد عن هذه الأمور، والحرص على سلامة الحجيج وراحتهم وأمنهم، يجب أن يكون أولاً نابعاً من قلب كل مسلم جاء لأداء فريضة الحج، في إطار من الوعي بالحكمة التي أرادها الله عندما شرع هذه الفريضة، فالحكومات والدول والأنظمة والتعليمات لا تخلق هذا الوعي، ولا تضمنه ولا سيما لدى بعض المسلمين الذين ينتمون إلى طوائف أو مذاهب أو أعراق معينة في بعض دول العالم الإسلامي، من ذوي الثقافة المحدودة.
ومن هنا تتضح مسؤوليتنا جميعاً في التناصح والتعاون خلال أداء الفريضة العزيزة، وأن يساعد كل حاجٍ أخاه، ويأخذ بيده إن احتاج لذلك، بكل حب وبشاشة، فهذه هي أخلاق المسلم في كل وقت.. وهكذا يجب أن تكون في الحج، وأن نبتعد جميعاً عن كل ما يمكن أن يعكر صفو هذا العرس الإيماني العظيم، الذي يحسدنا عليه كل أبناء الديانات الأخرى.
alomari1420@yahoo.com