Al Jazirah NewsPaper Friday  05/12/2008 G Issue 13217
الجمعة 07 ذو الحجة 1429   العدد  13217
ثقافة المجتمع.. ودعوة إلى (التغيير)!
حسين أبو السباع

تختلف الثقافة من جيل إلى آخر، وتتنوَّع طرق تعريفها تبعاً للمعرف وللظرف المكاني والزماني لهذا التعريف، ومن المعروف أيضاً أن ثقافات الأفراد هي التي تكوِّن الثقافة الجمعية للمجتمع، حيث تتجمع ثقافات الأفراد لتدخل ضمن خريطة عظيمة التضاريس تُسمى الثقافة المجتمعية التي هي شكَّلت في مراحلها ما استفاد منه المجتمع بشكل عام.

يرفض أو يقبل كل ما يطرأ تبعاً للمتغير التاريخي لهذه الثقافات، لكن هناك على الجانب الآخر من دفع ثمن الثقافات المغلوطة التي أخذت تتعاظم ويقوى دورها إلى أن بلغت حداً أضرَّ أكثر مما أفاد، وبقي أوصياء على المجتمعات هم الذين يتصورون أنفسهم حماة ثقافة المجتمع والباقون من يسعى لتخريبها، ولمَّا تعاظم دور الجريمة في قضايا مثل جرائم الشرف التي ربما تسعى أسرة ما لقتل فتاة لا ذنب لها إلا أن هناك شكاً في كونها أخطأت أو وقعت في فخ الزنا، ولم يصبر أحد من الذين اتهموها للتأكد عن طريق الكشف الطبي عليها، بل سرعان ما يتم القتل والتشخيص الطبي يأتي في مرحلة لاحقة ليقول إن هذه الفتاة المسكينة كانت تعاني من حالة انتفاخ في أمعائها، وأنها عذراء لم يقربها أحد بسوء.

هذه الحالة تحديداً قرأت عنها في إحدى المطبوعات العربية التي ناقشت قضية الشرف مثلاً وما تعانيه المرأة بوجه خاص من عنف مجتمعي باسم (ثقافة المجتمع) التي ترفض من دون أن تقيّم أن تعي ما ترفضه جيداً، ترفض من دون النظر إلى مرحلة شديدة الحساسية من ضرورة التوعية والتفهيم لمخاطر مثل هذه الممارسات التي تقود في نهاية المطاف إلى شيوع حالة من حالات العنف تدفع ببعض الفتيات في العالم العربي إلى التفكير في الهرب أو الانتحار وكلاهما مصيبة قد تتعرض لها الفتاة، وتُترك فيما بعد فريسة سهلة لشارع لا يرحم، وحين تقع تحت طائلة القانون، ويطلب من أهلها استلامها يرفض الأهل، لتكتمل جميع أركان الجريمة التي أقامها المجتمع باسم ثقافة المجتمع الرافضة.

جرائم كثيرة ترتكب باسم ثقافة المجتمع ترفض، الثأر مثلاً الذي انتشر زمناً طويلاً في أماكن كثيرة من العالم العربي، ولم يبدأ في تناقص الأعداد الكبيرة من ضحاياه إلا بالتوعية بل وتكثيف التوعية التي لا بد أن تظهر بصورة أكثر واقعية ضمن وعي كامل بأنه لا ثوابت إلا في الدين، وما عدا ذلك يمكن مناقشته ورفض ما لا يتناسب مع العقل الذي خلقه الله ولديه القدرة على الانتقاء المعرفي الذي بالضرورة لدى العقل الناضج لا بد أن يكون سليماً خالياً من أي مؤثرات دخيلة، تعتيمية، تحد من قدرات العقل على تغيير المخالف للإنسانية.

ضحايا كثيرون دفعوا ثمن رفض أوصياء المجتمع لما يزحزح مكانتهم التاريخية فيه، والصورة ظاهرة بوضوح لو تأملنا قليلاً دعوة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فلم تكن مشكلة العرب في الجاهلية مع الإسلام ولا شخص النبي تحديداً حتى وإن تعللوا بها قليلاً، لكن مشكلتهم التي رفضوا مجرد التفكير فيها هي زحزحة مكانتهم وسطوتهم على المجتمع قليلاً.

بينما الدعوة إلى التفكير أيضاً، حين نتأمل أيضاً قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، حين بدأ في رحلة البحث عن الله، ثم تساءل وقلبه مليء بالإيمان:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.

إذن فالدعوة إلى التفكير حثَّ عليها الإسلام في كتاب الله الكريم، وإذا كانت هذه الدعوة في ترسيخ الإيمان بالله، أفلا يكون أولى التفكير في تغيير مفاهيم اجتماعية لن أقول بالية بقدر ما أقول عنها إنها أضرت أكثر مما أصلحت، فكثير من الشباب والفتيات من صغار السن، يخافون مجرد التفكير في طرح الفكرة، وهناك على بُعد خطوات قليلة ينتظر هؤلاء الضائعون ليلموا شعث أفكارهم في خدمة مصالحهم التي مع الأسف تضر بمصلحة المجتمع بشكل عام، إذن لا بد من مراجعة عقلانية دقيقة لكل ما هو يمكن أن يُسمى (المسكوت عنه اجتماعياً) ثم إضافة معنى جديد قادر على رفض أو قبول ومن ثم تغيير كل ما لا يتناسب مع عقولنا التي خلقها الله سبحانه لنا وقال في محكم التنزيل: (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) في إشارة واضحة إلى العقل الذي خلقه الله لنا وكثيرون يرفضون استعماله أو مجرد الحديث عنه، ومع الأسف نجد عقولاً ضاربة في الانغلاق، والرفض لكل ما هو منفتح على الآخر، وها هي دعوة حوار الأديان التي تملأ العالم الآن، كانت فكرتها الرئيسة هي الشراكة التي تحمي الإنسانية من كل ما يحيط بها من مخاطر لا إنسانية، فلا بد من إعادة النظر، والبحث والتنقيب عن كل ما يُنقي ثقافتنا ورؤوسنا تحت مظلة ثقافة المجتمع، والتأكيد على أن هذه الثقافة هي أحد مكوناته المعرفية التي نستطيع تغييرها، لننقذ ما يمكن إنقاذه من ضحايا ينتظرون إنفاذ سهم الموت فيهم باسم (العيب).. دعونا نكشف المستور في كل حياتنا الاجتماعية لننقِّحها ونعالجها ونتخيَّر أحسنها ونعمل على نشرها ليعم الخير.



Aboelseba2@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد