عندما ينوي الحاج قضاء فريضة الحج، يسارع إلى عمل الإجراءات اللازمة في بلده للقيام بهذا النسك العظيم، كما يلتفت يمنة ويسرة لعله يجد فيما يملك ما يكفيه مؤنة حجه، وربما يبحث عن معين للمساعدة في ذلك، فإن وفق في تجاوز الإجراءات وجمع المال أصبح جاهزاً للسفر إلى الديار المقدسة، مقدماً جواز سفره، أو وثيقة حجه إلى السفارة السعودية في بلده للقيام بما تبع بها من عمل لخدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن الإنصاف القول إن سفارات المملكة في موسم الحج تقوم بجهد كبير جداً في إنهاء إجراءات الحجاج في فترة زمنية محدودة، مما يجعل القنصليات في استنفار طيلة تلك المدة، قائمين على عملهم خلال الدوام الرسمي وأثناء المساء، وهذا يشكرون عليه، وبجانب هذا الجهد الكبير، يتحلى جميع العاملين في السفارة بالحلم والأناة لاستقبال الاستفسارات والتساؤلات بخصوص الحج وسرعة إنهاء الإجراءات ومتطلبات ذلك من وثائق يستوجب التأكد منها، والأمر الذي ربما يواجه السفارات من أولئك الذين لم يتح لهم الحج لسبب أو لآخر فيبحثون عن وسيلة للحصول على التأشيرات اللازمة وهذا ما لا يمكن تحقيقه، ولهذا فإن سفارات المملكة في الخارج، تقابل أولئك الطامحين في الحج بالصبر والشرح وحقائق الأمر.
الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، ومن استطاع فالحمد لله على ذلك، أما من لم يستطع فقد نال أجر الحج، فيحمد الله عليه، وربما يتاح له في سنوات قادمة، وعليه الرضاء بذلك وحتى يصبح راضياً فإن ذلك يتطلب كثيراً من الصبر والإقناع لعدد غير قليل من الطامحين في الحج وهكذا في كل عام تقوم سفارات المملكة بواجبها في خدمة حجاج بيت الله الحرام.
هذا الجهد من السفارات، لا يعدو كونه سلسلة من خدمات أخرى سابقة وتالية تقوم بها المملكة، خارج وداخل الأماكن المقدسة، إن ما أنفقته وتنفقه المملكة لخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام، ما هو إلا شرف تقلدته المملكة، لذا فهي تعمل كل ما أمكن للقيام بهذا الشرف العظيم، وكم شهد الحرمان الشريفان والشعائر المقدسة من توسعات وتحسينات غايتها تسهيل وتيسير الأمور على ضيوف الرحمن.
إن المملكة تستنفر جميع قطاعاتها الخدمية والاقتصادية والأمنية ليتم ذلك الحج في أحسن ما يطمح إليه، راجين الثواب من الله سبحانه وتعالى، وهذا الاستنفار يعني تجنيد عدد كبير من الاختصاصيين في الطب والصيدلية والمرور والأمن والبنوك والكهرباء والماء والغذاء والتجارة والمطارات وغيرها من سائر القطاعات، وهذا يعني الكثير من الإنفاق بلا حدود، وهو ما تعمله المملكة. إن المملكة وهي تنفق ما تنفق وتعمل ما تعمل سعيدة بذلك لأنها تقدم خدمة للحجاج وتسهر على راحتهم، لكي يعودوا سالمين إلى أوطانهم، كما أنها قد تعالج ما قد يترتب على ذلك من متخلفين بحكمة وروية راجية من جميع الحجاج العودة إلى ديارهم. إن الحج شعيرة عظيمة وركن من أركان الإسلام يقوم به المستطيع، والاستطاعة تعني القدرة الجسدية والمالية وكذلك الإمكانات المتاحة، فعدد المسلمين في أنحاء العالم كبير ولله الحمد فهو يربو عن مليار ونصف، وربما يكون عدد القادرين جسدياً ومالياً ونفسياً كبير جداً، غير أن الحج يتم في أماكن معينة وفي فترة زمنية محددة، ولهذا فإن من قام بفريضته يكون من العدل أن يتيح الفرصة لغيره من إخوانه المسلمين فيحمد الله على أن أتاح له تلك الفرصة، فيعم الخير ونمتثل بتوجيه الإسلام وأهدافه التي تأمرنا بالتعاون والعدل والإيثار والمساواة، وغيرها من القيم الأخلاقية النبيلة، وأرى أن إتاحة فرصة الحج لمن لم يحج على رأس تلك القيم والمناهج التي ربانا الإسلام عليها متمنياً من المسلمين في كل مكان أن يكون الهدف قضاء الفرض والاكتفاء بذلك وكذلك حب الناس للحج، وسعيهم الحقيقي لنيل هذا الشرف العظيم، غير أن الطمع بما عند الله بإتاحة الفرصة للمسلم الآخر للقيام بفرضه أكبر شرفاً وأكثر أجراً عند الله، إن شاء الله، فهو رمز من رموز التعاون والتكامل والتضامن بين المسلمين جميعاً، وهذا هو الإسلام الذي يحث على مكارم الأخلاق.
وأرجو من العلي القدير أن يقبل حج الحجاج وأن يجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً وتجارة لن تبور.