أرجو أن تتسع صدور العقاريين لمقالي هذا، وألا يعدوه من حسد القاعدين أمثالي، فقد لفت انتباهي ما ذكرته بعض الدراسات الاقتصادية بأن أرباح العقار قد حققت ما يقارب 30% لتبلغ بضعة مليارات خلال السنة الماضية.. والسؤال الذي خطر ببالي هو: هل هذا المؤشر يعد مؤشر خير، أم مؤشر شر بالنسبة لعامة المواطنين خصوصاً فئة الشباب المتطلعين إلى امتلاك منزل العمر.
الذين يمثلون ما يقارب 75% من المجتمع السعودي حسب الإحصائيات الحالية والمتوقعة للسنوات القليلة القادمة.
وإذا علمنا أيضاً أن 70% من أبناء الشعب السعودي بشبابه وشيبه لا يملكون مساكن حسب تصريح حديث لأحد المختصين بشؤون العقار، الذي ذكر أيضاً: أن السوق السعودي بحاجة إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية خلال العشر سنوات القادمة.. وكنت أتمنى لو أن هذا العقاري المتخصص تحدث على من تقع عليه مسؤولية هذه المشكلة الاجتماعية المزمنة؟ هل هي العقاريين؟ أم على نظام تجارة العقار في بلادنا؟
ومع أنني لست متخصصاً في العقار، ولا أعاني من هذه المشكلة لأنني أملك منزلاً بفضل الله، إلا أنني أشعر بمعاناة الشباب من أبنائي وإخواني وأقاربي ومعارفي الذين يمثل السكن لهم أولوية مهمة في حياتهم، مما يجعلهم يحملون هم تملك مسكن مناسب لهم، وذلك من أوجب حقوقهم الاجتماعية والمدنية.
ولاشك أن لنظام الحرية المطلقة للعقاريين في تملك الأراضي حتى وإن كان بالشراء، أو بوسائل التملك الأخرى كالمنح، أو الإحياء، أو وضع اليد بأساليب لا تخلو من التحايل على الأنظمة، ثم إعطاء العقاريين الحرية في احتكار الأراضي وبيعها للمواطنين بشروط وبأسعار يحددها العقاريون عن طريق المضاربات والمزايدات والمساهمات العقارية بلا حسيب ولا رقيب دوراً في تفاقم هذه المشكلة.. لهذه الأسباب أصبح 70% من الشعب السعودي لا يملكون مساكن العمر، مع أن الفرد السعودي يملك أكبر نسبة من الكيلومترات المربعة مقارنة مع كثير من دول العالم، لما تتمتع به بلادنا من مساحات صحراوية واسعة.. فإحصاءات الأمم المتحدة التي تقدر عدد سكان المملكة في منتصف عام 2007م بما يقارب 27 مليون نسمة، تشير إلى أن الكيلو متر المربع الواحد يقابله (12) نسمة فقط، بما في ذلك المواطنون والمقيمون. ولاشك أن هذه نسبة منخفضة جداً إذا ما قورنت مع دول عالمية أخرى، إذ إن معدل السكان للكيلو متر المربع هو (395) نسمة في هولندا و(246) في بريطانيا و(232) في ألمانيا، و(193) في إيطاليا، و(176) في سويسرا، و(127) في الدانمراك.
ولهذا السبب فإن أرباح العقاريين التي يتباهى بها قطاع المال والأعمال قد لا تكون مؤشر خير ورفاهية بالنسبة للمواطن العادي، بل إنها مما يزيد في معاناته، ويبعد المسافة بينه وبين تحقيق حلمه في الحصول على سكن خاص.
ولا أنسى هنا أن أذكر بأن هاجس الحصول على سكن مستقل والحاجة الملحة للسكن الخاص، جعلت الكثير من المواطنين يستجيبون لدعايات تملك السكن عبر المشاريع السكنية التي يعلن عنها بعض تجار العقار، وغالباً ما يقع المواطن المغلوب على أمره ضحية لألاعيب بعض أولئك العقاريين، ونصابي المساهمات العقارية.
وفي الختام، لا أنسى أن أشيد بالنظام الجديد الذي انتهت وزارة التجارة من وضعه مؤخراً، بهدف حماية المواطن، وقطع الطريق على المتلاعبين بمشاريع التطوير العقاري، ومع أن هذا النظام يتضمن مواد جيدة وقوية للحد من استغلال أصحاب المساهمات العقارية، إلا أن ذلك سيتوقف على مدى سرعة إقرار النظام، وكيفية تطبيقه، فهل سنتمكن من تطبيق النظام بحزم، ونحن الذين عجزنا عن تطبيق نظام ربط الحزام، ونظام ممنوع التدخين في المكاتب والمطارات؟