في الأسبوع الماضي لوَّحتْ (بين قولين) للتبوكيين بتحايا الود، ومردود الثناء، فتخيل أن مدينة تعد ملتقاها الثقافي الأول، وتسهر على إنجاحه، وتجند له طاقات المثقفين والمبدعين من أبناء المنطقة ويمر مرور الكرام دون أن يذكر، فهذا ما يريده البعض للأسف، أي نكران الجميل، وتجاهل الجهد، فالوطن يا رفاق الكلمة بحاجة إلى أن نكتب عنه، وعن جهد أهله الرائعين، في كل جهاته، وفي كل شبر من تخومه، وليس في هذا أي غضاضة، فلو كتب لنا زيارة ملتقى الباحة، أو القصيم، أو جازان لزادنا الواجب شرفاً أن ننوه عنه بكل فخر.
لم يغب عن الملتقى ورواده إطلالة الشعر، وحضور الشعراء حيث تزامنت مع فعالياته أمسية شعرية للأمير الشاعر محمد العبد الله الفيصل الذي حل بشاعريته على تبوك، تبعها مسامرة شعرية أخرى في منزل مضيفنا الدكتور العطوي، فكان للفصيح حضوره الطاغي فيها، ولم تغب الحكاية والطرفة لدى الشيخين الشريف، وعريف، وتقليد الشخصيات والأصوات من الفنان المسرحي حاتم أحمد.
في الليلة الأخيرة من الملتقى أطل التراث والشعر والغناء، فكانت البداية شعراً، من تجارب الجنسين رجالاً ونساء، وجاءت عرضة (الدَّحيَّة) معبرة عن تراث غنائي جميل، فيما ألقى الدكتور أحمد الطامي كلمة المشاركين في الملتقى، تلاها لوحات ورقصات تتميز فيها المنطقة، وزادها طرباً أن شارك فيها الدكتور مسعد العطوي، والدكتور ظافر الشهري. وختمت بقصيدة رقيقة من الناقد أولاً والشاعر تالياً سعد الرفاعي الذي عبر عن سعادته بهذا اللقاء الحميمي على أطراف الوطن شعراً ونثراً.
شيء يلفت الانتباه هو أن الآثار في منطقة تبوك تعاني من شبه تجاهل ونسيان، فهي تحتاج حقيقة إلى صيانة، ورعاية، فقد بات الغبار يحاصرك في أرجائها، والنسيان يذكرك بعمق مأساته هناك، فالشيء الفاجع أن قلعة تبوك تحفها المخلفات، وأنقاض لمقهى مهجور، فيكاد العبث يلهو بالقلعة على راحته دون حسيب أو رقيب، وربما تلقى هذه (القلعة) الأثرية مصير القهوة المتهالكة، فلم نر لهيئة الآثار أي جهد في صيانة القلعة الرمز، بل إن مسجد (الرسول) صلى الله عليه وسلم لم يُعرَّف فيه بما يكفي، وكأن هذه البقعة لم يقف عليها نبي الأمة صلاة الله وسلامه عليه وصحابته وجند الإسلام في غزوة تبوك.
وإذا ما عدنا إلى شأن الملتقى فإننا نراه وقد حمل بين طياته تنظيراً جميلاً، وتشخيصاً حاذقاً، ومداخلات وعظية، ورؤى إنشائية لكننا في انتظار الحل المناسب لعل التنمية الثقافية تحقق أهدافها، فالشيء المهم في هذا الملتقى أنه أوصى بأن نهتم بالناشئة، ونحل قضايا المجتمع التعليمية، والاقتصادية، والمعيشية، والصحية ومن ثم نستوقفه عند حدود الثقافة والوعي، لنطالبه بفهم أعمق للثقافة.
في ليالي الملتقى تلتئم سجية الحديث الوادع، والنقاش العفوي، فيحاول الدكتور الطامي لملمة الحديث، لكنه يتمرد، ليصبح اللقاء في ردهة نُزُل (صحاري تبوك) مزيجاً بين الشعر والفكاهة، والمشاكسات الحميمية، فكان آخرها تلويحة الوداع آخر أمسية من الشاعر الحمد، والدكتورة ميساء، والدكتور المعيقل، والدكتورة إقبال: تصبحون على خير.. غداً السفر.. طبتم يا تبوكيون حقاً، وطاب اللقاء الحميمي بيننا.. الأسبوع القادم سنكتب عن أم الوطن، وبهائه، وعمق الكون الخالد مكة المكرمة، وضيوف الرحمن.
hrbda2000@hotmail.com