Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/11/2008 G Issue 13211
السبت 01 ذو الحجة 1429   العدد  13211
قضية للحوار العلمي الهادئ
مندل عبدالله القباع

إن قضية الإعاقة (بدنية كانت أو حسية أو عقلية) هي قضية علمية نفس اجتماعية بالدرجة الأولى، ويركز العلم الحديث على التوجه نحو المعاق باعتباره فردا ينتمي لبيئة طبيعية (أسرة) تمثل سياقاً اجتماعياً، هو المسؤول عن تشكيل سلوك الفرد.

ويقول اختصاصيو العلوم السلوكية: إن الأسرة في تفاعلها - بين بعضها البعض عمليات اجتماعية وسيكولوجية محدداً بما يتميز به الأفراد من خصائص غرائزية وانفعالية فضلاً عن العوالم الوراثية التي يمكن في ضوئها القول إن ما ينتاب الفرد من إعاقة حتى على المستوى السلوكي ما هي إلا سلسلة العوامل الوراثية ذات الحتمية الإرثية الممتدة عبر التاريخ القريب والبعيد المتأثر بالسياق الاجتماعي.

ولم يقاوم هذه الفكرة لا علماء الوراثة ولا علم النفس التكويني ولا ذوي النزعة السلوكية المتطرفة ولا عند هؤلاء الذين يتكلمون عند التكوين الانطباعي.

وإن هذه الفكرة تتفق مع أصحاب المذهب الحيوي الذي يرى أن هناك قوة دافعة حيوية تشكل الكائن الحي وتنظم له نموه وتطوره كما تهيمن على سلوكه، ويتوقف عليها نشاطه وبقدر طاقة النشاط تكون الحياة وتفاعلها.

إذن ترتبط الحياة باستمرارية النشاط، ويرتبط النشاط بعملية النمو، والنمو عملية تكاملية حيوية، فإذا ما صادف الكائن الحي أي موقف من المواقف في مسار تكوينه فإنه يؤثر في سلوكه كما يواجهه بالكلية.

والمهم في ذلك أن العوامل التي تؤثر في مسار التكوين والتي يتوقف عليها النمو هي الوراثة، والوراثة هي كل ما يأخذه الفرد عن أبويه عن طريق الكروزومات والجينات.

فالكروزومات تنقل العوامل الوراثية عن طريق الجينات التي تحمل الصفات الوراثية عن كل من الأب والأم.

وينتج عن ذلك أن الأساس الوراثي ثابت في كثير من المظاهر الجسمانية، وأن معظم الصفات الوراثية تتوقف على عدة عوامل وكلما تعددت العوامل كلما تعددت النتائج في بيئة قد تكون متوافقة أو غير متوافقة.

في ضوء ذلك يعتبر المعاق شخصاً يعاني خللا أو عجزاً أو قصوراً جسمياً أو عقلياً أو اجتماعياً أو نفسياً نتيجة عوامل وراثية أو بفعل اكتساب أو تعلم بيئي يحول بينه وبين الأداء العملي أو ممارسة النشاط الجسمي أو الفكري بصورة طبيعية مما يؤدي إلى نقص في القدرات لحد يستوجب معه انتظامه في برامج تأهيلية خاصة باستخدام محسوب لقدراته المتبقية، بما يمكنه من التكيف المتوافق وبما يمكنه من الاندراج على خط متصل واحد مع الشخص العادي.

إذن العوامل الوراثية ذات باع طويل في مسببات الإعاقة وهي تتمثل في العوامل التي تنقل من الآباء إلى الأبناء حسب قوانين الوراثة، ومنها العوامل الخلقية التي تؤثر في الجنين مثل إصابة الأم بأحد الأمراض، أو تناولها بعض المكيفات أو حالات عدم توافق دم الأم مع الجنين، أو إصابتها ببعض المكروبات أثناء الحمل أو عدم توفير الاكسوجين اللازم للجنين أو الإصابة بمرض مزمن أو تعرضها للإشعاع الذي يمكن نفاذه للجنين أو معاناتها أصلا بمرض عقلي بخاصة الإصابة بالصرع، أو الشلل المخي والاختلال العقلي.

ولما كانت أسباب الإعاقة قد تكون كامنة في الجنين قبل الولادة بفعل الوراثة، لذا نقترح ضرورة استمرار العمل على إجراء الفحوص والتحاليل الطبية اللازمة للمخطوبين قبل إجراء عملية الزواج ذاتها.

وأود أن أوضح للقارئ العزيز أن الفحص الطبي للمقبلين على الزواج هي ظاهرة حضارية وصحية، فالاحتياط ضروري وواجب حيث نجد فيه تجنباً للأسباب الوراثية التي يمكن أن تتسبب في تعرض الجنين للإعاقة وبما يحيل حياة الأسرة إلى الندم والشعور بالألم والسقوط في هوة التعاسة والبؤس، أو تعرف الخطيبان على حالة أو موقف أو ظرف صحي يمكن علاجه تحرزاً من عواقبه نظراً لأن العيوب الوراثية وأمراض الدم يتوقع نقلها للجنين.

ويمكن أن تخصص عيادات صحية لفحص الراغبين في الزواج تضمها مراكز الخدمة والتنمية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية لبعدها عن بعض المدن الكبرى، ويمكنها استخراج تقرير طبي يوضح نتيجة الفحص - حتى ولو كان سراً بين الطرفين وفقط - علماً بأن هذا الإجراء فيه حماية لكثير من أفراد المجتمع من التعرض للإعاقة.

وإزاء ذلك يتوجب على أجهزة الإعلام المختلفة بالتعريف بقضية المعاقين وأسباب الإعاقة وأهمية التوقي منها وإثارة الوعي الشعبي بهذه القضية وتعديل الاتجاهات الاجتماعية نحو ما هو أفضل وأجدى في حال مشكلة الإعاقة التي يتفاقم حجمها عاماً بعد آخر، ويجدر القول إن كل شاب أو فتاة يكون حاملاً لمرض وراثي بالعائلة غالباً يكون الجنين معرضاً للإصابة به، وهذا ما يدفعني لعرض القضية على قارئي العزيز لدعم هذا المشروع المقترح وهو مشروع حضاري متطور.

وفي نفس الوقت نوصي بتوعية الأسر نحو تحصين أطفالها ضد الأمراض التي تسبب العجز كشلل الأطفال والحصبة وغيره، مع الاهتمام بمراكز التوجيه الاجتماعي والنفسي.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد