تطويل الشعر هذه الأيام يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات شريحة من أبناء الوطن، وهم الفئات العمرية من 20 إلى 30 سنة، وهذه العادة لم تكن الأولى على مجتمعنا العربي فقد سبقها تقليعات سابقة وهي الكبوري وموضة رونالدو (حلاقة كافة الرأس ما عدا جزئية بسيطة من الشعر في مقدمة الرأس)، وكانت قَصّة الكبوري سائدة قبل هذه الموضة، وهي حف الشعر ما عدا أعلى الرأس ليكون بشكل دائرة، واستمرت فترة طوية، لكن موضة رونالدو لم تستمر لأن هذه الموضة لم ترق لمن تأثروا بها، أما موضة تطويل الشعر هذه الأيام تجد قبولاً من الفئات العمرية من 20 إلى 30 سنة، معللين هذا التصرف بقولهم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له شعر وكانت عائشة رضي الله عنها ترجله، والعرب في الجاهلية والإسلام يعدون الشعر من مظاهر الرجولة، لكن الفئات الحديثة اتخذت الموضة قاعدة تسير عليها، وهي تستهوي الموضة الغربية التي قذفت حممها على العالم، ومنها عالمنا العربي، فألبسته الشيرت الذي يبدي جزءاً كبيراً من الساق، وكذلك القمصان المعلقة حيث الأذرع معرضة للشمس.. وهذه الألبسة المشار إليها صارت هي اللباس المعتاد عند كثير من فئات الشباب، وكأنه تمرد على اللباس العربي الأصيل، وقد تأثرت دول العالم الثالث تأثراً كبيراً فلا عجب فالشعوب تحاكي بعضها بعضاً، فالعالم العربي استحسن ألعاباً ومارسها وهي لم تكن موجودة إلا في آسيا كالجودو والكاراتيه وهي تسمى بألعاب الدفاع عن النفس، ولعبة القارة الهندية لعبة الكريكت، فالغرب يمارس ألعاب الجري والسباحة والتنس الأرضي، بل إن بعضهم يعتبر الجري جزءاً لا يتجزأ من برنامجه اليومي، كما يخصص العرب ساعتين وثلاثاً لمشاهدة القنوات الفضائية ولا يضره الوقت الذي يقضيه ساعتين أو ثلاثاً.. فعجباً لحالهم وعجباً لحالنا، فنحن نستمر في مشاهدة المحطات الفضائية لساعات أمام التلفاز صغاراً وكباراً، وهي تؤثر تأثيراً كبيراً على الإبصار، والمداوم على هذه الحال يحتاج إلى نظارة طبية ليس بعد عقدين من الزمن بل بعد سنتين، فأطباء العيون يحذرون من الاستغراق في مشاهدة التلفاز.
لكن مداومة الغرب على الجري هي من اعتقادهم الجازم بأهمية هذه الرياضة على الجسم نظراً لانتشار أمراض السكر والكلسترول والضغط، وهي من الأمراض الأكثر شيوعاً في الوقت الحاضر؛ لتشبع كثير من المأكولات بالسكريات والدهنيات، وأخصائيو الأغذية يشيرون إلى تناول السكريات والبروتينيات والنشويات والفيتامينات، ولكن كثرة السكريات والدهنيات والإفراط في تناولهما دون حرق لهذه السعرات الحرارية مؤكداً أنه سيسبب بدانة وترهلاً في الجسم. ويؤكد الأطباء أن قلة الحركة وعدم حرق هذه السعرات ب(المشي) مثلاً تجعل هذه السكريات والدهنيات سبباً رئيسياً لكثير من الأمراض، وأبرزها كما يقول الأطباء السكر والكولسترول، بل إن المشي يذيب كثيراً من التوترات والضغوط النفسية، وأنا ألاحظ أن عادة الجري لا تجد قبولاً من شريحة الشباب بين 20 و30 لمتابعة مواقع الإنترنت والبلاي ستيشن والقنوات الفضائية.. والمشي يمارسه شباب الأربعين فما فوق، وكذا النساء الحوامل؛ حيث يوصي الأطباء بالمشي قبل الولادة بشهرين أو ثلاثة؛ فالمشي يأخذ حيزاً من وقتهم، أما من كان في عقده الرابع من الرجال فيعمد إلى تحسين القوام بعيداً عن السمنة التي تتركز في منطقة البطن، وكذا الخوف على القلب والشرايين من الجلطات الناتجة عن زيادة الدهون. وفي المقابل نجد عادات تغلغلت لدى شبابنا كالتفحيط والقيادة الجنوبية والوقوف وسط الطريق داخل الحارات من التأثر بالأفلام الغربية، وهي أفلام سينمائية تعتمد على الخيال، أما الواقع فلو سار الإنسان بسرعة جنونية أو فحط لانقلبت السيارة عدة مرات، فهذا موت محقق، وإن نجا من الموت بإرادة الله فجسمه سيكون مليئاً بالكسور أو الإصابات القوية، وعادة التفحيط قلّت بفضل الله ثم بفضل الوعي وكذلك الحزم من قِبل رجال الأمن الذين يرصدون المفحطين والمتهورين (السرعات الجنونية)، ولكن ما زالت تلك الممارسات الخاطئة تبرز بين الحين والآخر في وسط التجمعات الشبابية وفي الشوارع المعروفة والشهيرة بالتفحيط.. حتماً هذه العادة ستندثر كما اندثرت عادات غير لائقة وهي الاحتفاليات حين يفوز ناد معين وكذا الأبواق القوية داخل الحارات وبشكل جماعي، ومرده كما أشير إلى الوعي وعدم التهاون مع أولئك المستهترين بأرواحهم وبظروف المرضى من قِبل الجهات المختصة. ولكن عادة الشعر الطويل في الوقت الحاضر ما زالت تلقى رواجاً كبيراً، وتعمد محال الحلاقة إلى الاستجابة لهذه الموضة من استشوار وتفنن في القصات ليكون لافتاً للأنظار، وهذه العادة عمد أصحابها في البداية إلى محاكاة اللاعب الإيطالي الفلاني والبرازيلي العلاني إلى أن انتشرت بشكل سريع في أوساط الشباب. ولكن ما يعتز به المواطن ويفخر به أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب حريصة كل الحرص على أن يظهر لاعبو الأندية والفريق الأول بالمظهر اللائق اعتزازاً بالشاب المسلم المتحضر الذي يفخر برجولته وموروثه الأصيل. ومن نافلة القول ذكر ما تقوم به وزارة التربية والتعليم في بلدنا الحبيب من التأكيد على تخفيف الشعر وعدم تركه مُسترسلاً وجعله متلازماً مع الزي السعودي الذي تنعم به مدارسنا جيلاً بعد جيل تعميقاً لمفهوم المظهر الحسن والزينة التي ندب لها ديننا الحنيف بعيداً عن التقليد الأعمى.
- المستشار المالي بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف