بوَّابة تفتح كلَّ عام على مصراعيها الفسيحين الجميلين، تُفْتحَ ليدخل منها قاصدو بيت الله الحرام من مشارق الأرض ومغاربها، يأتون إليها من بلاد بعيدة، ومسافات مديدة، متعلِّقين بأهداب التوبة إلى الله، متشبِّثين بوعده الصادق لمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق أن يعود منه كيوم ولدته أمه نقياً من الذنوب والخطايا، خفيفاً من أعباء أهواء النفس وشهواتها، صافي القلب، منشرح الصدر.
َّبوَّابة الحج التي استوعبت مليارات البشر منذ أن بدأ أبوهم آدم عليه السلام وأمهم حواء رضي الله عنها بالحج بعد أن أهبطا من الجنة إلى يومنا هذا؛ بوَّابة الحج المباركة التي ولج منها الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام، ملبين مبتهلين مكبرين، خاشعين متذللين لرب العالمين.
َّبوَّابة الحج الكبرى التي أعاد بناءها وترميمها إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل حينما أمرهما الله عز وجل بأن يعيدا بناء الكعبة المشرفة، بعد أن غابت عن عيون الناظرين زمناً طويلاً، فشمرا عن ساعد الجد، ورفعا القواعد من البيت الذي بنته الملائكة وطافت به كما ورد في بعض الروايات، أو بناه آدم عليه السلام كما ورد في بعضها الآخر.
َّبوَّابة الحج التي فتحها إبراهيم حينما أذَّن في الناس بالحج كما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). وتساءل إبراهيم حينما أمره ربه بأن يؤذن في الناس بالحج قائلاً: كيف يسمع الناس أذاني وندائي، فيوحي إليه ربه أنَّ عليه النداء وعلى ربه البلاغ. ويؤذن إبراهيم في الناس واقفاً على المقام، وقيل على (الحجر) وقيل على بناء الكعبة، وقيل على جبل (أبي قبيس). أذن إبراهيم قائلاً: أيها الناس حجوا بيت ربكم. وهنا تقول الروايات: إنَّ صوته عليه السلام بلغ مسامع الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وأنه بلغ الأجنة في الأرحام والنطف في الأصلاب، وأن الحجة بهذا النداء المبارك قد بلغت الخليقة كلَّها.
بوَّابة الحج، دخل منها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وموسى وعيسى ويونس عليهم السلام، وتقول بعض الروايات: إنَّ جميع الأنبياء حجوا البيت الحرام إلا هوداً وصالح عليهما السلام فإنهما لم يتمكَّنا من ذلك.
َّبوَّابة الحج، قائمة على قواعد التوحيد والإخلاص لله عز وجل، مزينة بالطاعة والدعاء والذكر والتكبير والتلبية. نقوشها الإيمان بالله، والاستجابة لندائه، وهي نقوش لا يبليها أبداً تقادم الأزمان.
َّبوَّابة الحج التي شرفها خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام داخلاً منها دخول الخاشعين، ومعلناً من ساحاتها أقوى وأصدق بيان للعدل والإنصاف، والخبر الذي لا ينقطع تضمنته خطبة حجة الوداع الشهيرة.
فما أعظمها من بوَّابة مفتوحة للخير الذي يعم البشرية جمعاء.
إشارة:
صدق أفضل الخلق حينما قال: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.