الجزيرة ـ القسم السياسي
السياسة الخارجية الفرنسية تعتمد تقليداً دبلوماسياً قائماً منذ عدة قرون، هذا التقليد يستلهم في عمله بعض المبادئ الأساسية المتمثلة في حق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، واحترام دولة القانون والتعاون بين الأمم. وفي هذا الإطار حرصت فرنسا على الحفاظ على استقلالها الوطني دون أن تكف عن العمل على تنمية أشكال من التضامن الإقليمي والدولي.
ومنذ عام 1945م، أصبحت القارة الأوروبية في قلب السياسة الخارجية الفرنسية. وهناك عدة أسباب رئيسية تفسر هذا التوجه: إعادة استتباب السلام وضمان أمن الدول، وبناء مجال اقتصادي ونقدي مندمج من شأنه تحقيق رخاء الشعوب الأوروبية.
ومنذ ذلك الحين عكف الجنرال ديغول والرؤساء: بومبيدو وجيسكار دستان وميتران وشيراك والرئيس الحالي نيكولا ساركوزي على تجسيد وتنمية هذه الركيزة الأوروبية لجعلها قوة اقتصادية ومعلماً سياسياً له شأن.
وبفضل ناتج محلي خام وصل في عام 2003 إلى 9710 مليارات يورو، أصبح الاتحاد الأوروبي من الآن فصاعداً يتساوى مع مجموع دول أمريكا الشمالية ويفوق آسيا اقتصادياً.
وفي الأول من شهر آيار - مايو 2004م، انضم عشرة أعضاء جدد إلى الاتحاد الأوروبي، بحيث أصبح هذا الاتحاد بعدد أعضائه الخمسة والعشرين يشكل التكتل الثالث على صعيد الكرة الأرضية، بنسبة أراض عائمة تبلغ 3% وبنسبة 7,5% من عدد السكان، وفي حيازته ربع ثروات العالم.
وألقت سنوات الحرب الباردة وفترة عدم الاستقرار التي تلتها بمسؤوليات جسام على كاهل الدول الرأسمالية كافة، ومنها فرنسا. وإلى جانب انضمامها لمنظمة حلف شمالي الأطلسي فإن فرنسا عضو أيضاً في (اتحاد أوروبا الغربية) وفي (منظمة الأمن والتعاون في أوروبا) وفي (الفيلق الأوروبي) الذي تشارك فيه بقوات قوامها حوالي 13 ألف جندي.
وبما أنها إحدى القوى النووية الخمس، إلى جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والصين، فإنها تعمل على الإبقاء على قوة الردع لديها، وعلى تكيفها مع الحقائق الاستراتيجية الجديدة، آخذة بعين الاعتبار البُعد الأوروبي لسياستها الدفاعية، كما أنها تبذل جهداً في سبيل الحظر التام للتجارب النووية والالتزام لصالح التحكم في عمليات التسلح ونزع السلاح.
وتسير السياسة الخارجية الفرنسية في إطار احترام أهداف ومبادئ منظمة الأمم المتحدة؛ فهذه المبادئ والأهداف مطابقة للمثل التي يقوم عليها التقليد الجمهوري الفرنسي. ولم تكف فرنسا منذ عام 1945 عن الدفاع عن هذه المنظمة؛ فهي رابع ممول لها، حيث وصلت قيمة مشاركتها في الميزانية العادية للأمم المتحدة في عام 2004 إلى 84.35 مليون يورو، هذا بالإضافة إلى 107.57 مليون يورو تعهد بها إلى المؤسسات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة.
وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن شاركت فرنسا بصورة مباشرة في العديد من عمليات حفظ السلام (في الشرق الأوسط وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبين أثيوبيا وإريتريا وفي سيراليون، وساحل العاج، وهايتي...).
وفي عام 2003، وصلت المساهمات الفرنسية في عمليات حفظ السلام إلى 140.34 مليون يورو.
وتساند فرنسا أيضا العمل الذي تقوم به المنظمة في مجال المساعدات من أجل التنمية، خاصة من خلال مساهمات مالية وتقنية تقدمها للبرامج الرئيسية المكلفة بمكافحة الفقر (PNUD) وحماية الأطفال (UNICEF) ومكافحة الإدمان (PNUCID).
وتعتمد السياسة الفرنسية في مجال التعاون الدولي على اتجاهين رئيسيين: التأثير والتضامن.
وتتولى الإدارة العامة للتعاون الدولي والتنمية (DGCID) تنفيذ هذه السياسة التي ترتكز على أربعة محاور رئيسية، منها المساعدة على التنمية من خلال التعاون.
وتعتزم فرنسا الإبقاء على جهودها في سبيل التضامن إزاء الدول الأكثر فقراً، فخصصت 6,4 مليار يورو للمساعدات العامة من أجل التنمية في عام2003م. ويمثل هذا المبلغ نسبة 0.41% من الناتج المحلي الفرنسي الخام.
وتكرس الحصة الأكبر من المخصصات الفرنسية الممنوحة للمساعدة من أجل التنمية للمساعدات الثنائية التي تقدم مباشرة للدول المستفيدة عبر الإدارات الفرنسية أو العاملين لديها في هذا المجال.
وفي عام 2003، ظلت التنمية في إفريقيا ضمن أولويات السياسية الخارجية الفرنسية، وتزايدت حصة المساعدات الثنائية المخصصة لدول ما دون الصحراء الإفريقية بحيث ارتفعت النسبة من 49% في عام 2002 إلى 57% في عام 2003م.