Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/11/2008 G Issue 13211
السبت 01 ذو الحجة 1429   العدد  13211
الرئيس الفرنسي: الملك عبدالله صديق مقرَّب لبلادنا
خادم الحرمين وساركوزي.. ثلاثة لقاءات قمة ثنائية خلال عام ونصف العام

الجزيرة - أحمد أبا الخيل

يقوم اليوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى المملكة وهي الزيارة الثانية، ففي شهر يناير الماضي قام الرئيس بزيارة للمملكة بعد سبعة أشهر فقط من وصوله لقصر الأليزيه، وأجرى خلال الزيارة مباحثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تناولت القضايا الدولية والعلاقات الثنائية وتوّجت تلك الزيارة بتوقيع أربع اتفاقيات شملت التعاون المشترك حول المشاورات السياسية الثنائية بين وزارتي الخارجية في البلدين، والتعاون في مجال التدريب المهني والتعليم التقني وكذلك التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والتعاون في مجال الطاقة.

هاتان الزيارتان سبقتهما زيارة لخادم الحرمين الشريفين إلى فرنسا في يونيو 2007م التقى خلالها بالرئيس ساركوزي في قصر الأليزيه في باريس، وهذا يعني أن الزعيمين عقدا ثلاثة لقاءات قمة ثنائية خلال عام ونصف العام، وهو في العرف السياسي الدولي دليل واضح على عمق العلاقات بين الدولتين الصديقتين. فالزيارات المتبادلة بين الزعماء هي تتويج للعلاقات، ومن خلالها يتم إعطاء هذه العلاقات دفعة قوية إلى الأمام.

وفي هذا السياق أكَّد الرئيس ساركوزي في زيارته الأولى أن المملكة شريك أساسي وإستراتيجي لفرنسا، وعنصر مهم للسلام في الشرق الأوسط التي وصفها بالمنطقة المضطربة من العالم، وأشار إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز صديق مقرّب من فرنسا. وشدَّد الرئيس الفرنسي على ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين في شتى المجالات، إلى جانب تكثيف التشاور في المشاريع على كافة الأصعدة. وحول أهمية الزيارة السابقة، قال رئيس جمهورية فرنسا خلال زيارته تلك: الزيارة تكتسب أهمية سياسية واقتصادية وثقافية، وأضاف: من المهم جداً لفرنسا أن تكون موجودة في هذه المنطقة من العالم، منوّهاً إلى ضرورة تفعيل العلاقات، والأمر يتطلب المزيد من الجهود للتقارب بشكل أكبر.

وبالنظر إلى المكانة الدولية الكبيرة للجمهورية الفرنسية فإن زيارة ساركوزي الحالية إلى المملكة في غاية الأهمية خاصة في ظل الظروف التي تحيط بالمنطقة والعالم. ومن المتوقّع أن يناقش الزعيمان قضايا الأزمة المالية العالمية، والسلام في الشرق الأوسط، والحرب في العراق وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها.

وساهم تاريخ العلاقة المتينة بين البلدين في تطابق وجهات نظر البلدين تجاه عدد كبير من القضايا ولا سيما تلك المتعلقة بعملية السلام في الشرق الأوسط والحرب في العراق والشأن اللبناني. فالمملكة وفرنسا اتفقتا منذ البداية على أحقية الشعوب في المنطقة ومن بينها الشعب الفلسطيني في العيش في بلدان تتمتع بالسيادة الكاملة دون خوف أو صراعات تؤثّر على تنميتها.

ولذلك فإن فرنسا كانت من أولى الدول الغربية التي رحبت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للسلام انطلاقاً من مبدأ استرجاع الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل مقابل اعتراف العالم العربي بها، وهي المبادرة التي تبنتها الدول العربية في مؤتمر بيروت عام 2002م ورأت فرنسا بأن تلك المبادرة في غاية الأهمية لتحقيق السلام وإنهاء صراع دامٍ وطويل.

وبشأن القضايا الأخرى فإن وجهتي نظر البلدين متطابقتان حول الحرب في العراق ومعارضتهما للاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي المهم، والذي وصفه الملك عبد الله بأنه احتلال غير مشروع كونه يفتقر إلى الدواعي الحقيقية والموضوعية والمشروعة، ولأن استخدام القوة ضد أي بلد لا يمكن أن يتم إلا بإذن من منظمة الأمم المتحدة. كذلك يمكن الإشارة إلى مساندة فرنسا للمملكة فيما يتعلق بظاهرة الإرهاب العالمية، إذ رحبت فرنسا بمبادرة المملكة والمتمثلة في عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب في فبراير من عام 2005م، وأرسلت وفداً رفيع المستوى شارك في فعاليات المؤتمر. وأبدت تجاوباً كبيراً مع مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الداعي إلى إنشاء مركز عالمي لمكافحة الإرهاب.

والاقتصاد من المسائل المهمة جداً في العلاقات بين البلدين الصديقين، ففرنسا رابع قوة اقتصادية في العالم ويهمها أن تطور علاقاتها الاقتصادية بالدول الأخرى وبخاصة الدول الاقتصادية الكبيرة كالمملكة التي تعتبر أكبر قوة نفطية في العالم.

كما تعتبر فرنسا، التي وصل الفائض التجاري لديها إلى 19.3 مليار يورو في عام 2003م، رابع مصدر للسلع (خاصة سلع التجهيز) في العالم، وثاني مصدر في قطاع الخدمات والزراعة (خاصة الحبوب والمنتجات الزراعية الغذائية). ولا تزال فرنسا أول منتج ومصدر أوروبي للمنتجات الزراعية.كما تحتل فرنسا المرتبة الرابعة عالمياً في قائمة الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وبالفعل، فالمستوى الرفيع للأيدي العاملة الفرنسية والمستوى العالي للأبحاث والتحكم بالتكنولوجيا المتقدمة واستقرار العملة والتحكم الجيد في تكلفة الإنتاج، كلها عوامل تجذب المستثمرين وتلقى استحسانهم. وهذه المقومات تجعل المملكة حريصة على تطوير علاقاتها الاقتصادية بهذه الدولة الاقتصادية الكبيرة، ولا سيما من خلال جذب رأس المال الفرنسي، وتوفير المناخ التجاري الملائم لها على أرض المملكة، ولذلك فإن فرنسا تحتل المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في المملكة. فهناك شركات فرنسية كبرى تستثمر في المملكة مثل (شنيادر، ألستوم، آريفا، لو غران، أي دي إف، لورواي سومار) في مجال الكهرباء (فيوليا، سوريكا، سافيج)، في مجال المياه وفي شبكة السكك الحديدية (إس إن سي إف الدولية، سيسترا، سيمالي)، وفي المجال الصيدلي (مختبرات سارفيي)، وفي الاتصالات (الكاتيل).

ومن ضمن الاستثمارات الحديثة في المملكة، يعتبر استثمار البنك السعودي الفرنسي (كريدي أغريكول / إندوسويز - كاليون) هو الأكثر أهمية، ويمكن الإشارة إلى وصول بعض الشركات الفرنسية في مجال البيع بالمفرق مثل كارفور، جيان كازينو، برانتان، ودانون، وشركة التأمينات أكسا ومؤخراً شركة تأمينات (آ جي إف) ومصرف (بي إن بي باريبا) إضافة إلى شركات فرنسية في مجال الإعمار كشركتي بويغ وفينشي، وفي مجال الفندقة والسياحة (أكور) وفي الخدمات (إيبسوس وفيريتاس).

كما أن السوق السعودية لا تقتصر على المجموعات الكبرى، إذ إن 80 في المائة من الشركات الفرنسية المصدرة إلى المملكة تندرج ضمن الشركات الوسطى، والصغيرة التي تستحوذ على 35 في المائة من مجمل الصادرات.

وإلى جانب السفارة الفرنسية بالمملكة، هناك مجلس الأعمال الفرنسي - السعودي ومجلس الأعمال الفرنسي في جدة الذي أنشئ نهاية عام 2003م وهما يلعبان دوراً مهماً في تطوير التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي وفي المجال الثقافي أيضاً.

وفي المقابل فإن الصادرات السعودية إلى فرنسا ومعظمها من النفط الخام ارتفعت بنسبة 15.6 في المائة لتصل إلى 3.58 مليارات يورو عام 2005 أي بنحو 10 في المائة من واردات فرنسا من الوقود العضوي ذلك العام. وإزاء هذه المعطيات فإن المملكة تعد الشريك التجاري الثاني ضمن الدول الـ16 في الشرقين الأوسط والأدنى والمزوّد الثالث للنفط لها بعد النرويج وروسيا.

ويؤكّد خبراء فرنسيون ومنهم الباحث والمؤرخ الفرنسي شارل سان برو أن العلاقات السعودية الفرنسية تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وبذلك تعتبر فرنسا - كما يقول - من أقدم أصدقاء المملكة العربية السعودية، ويرى أن علاقات البلدين قادرة على إنجاز تفاهم بين الغرب والعالم الإسلامي.

وأضاف أن فرنسا متمسكة بحوار الحضارات وهي تعتبره مهماً للغاية وحول ما تتمتع به العلاقات السعودية الفرنسية من ازدهار، قال برو: هناك رغبة من الجانبين السعودي والفرنسي في تعزيز هذه العلاقات، كما أن للسعودية وفرنسا نفس النظرة المستقبلية للمنطقة، وخاصة فيما يتعلق بإقامة توازن سياسي في العلاقات الدولية، وكلتا الدولتين لديهما اهتمام بموضوع حوار الحضارات، وتشجيع العلاقات بين الشعوب والاحترام المتبادل، ومنذ عام 1996 وبعد عقد اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين السعودية وفرنسا وهذه العلاقات تتقدّم باستمرار، ويجب أن تتطور سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وثقافياً, وللعلاقات الثقافية أهمية خاصة، إذ من الضروري جداً تبادل الطلبة للدراسة في كلا البلدين، وتشجيع التبادل الثقافي، وتكرار الزيارات بين المثقفين السعوديين والفرنسيين.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد