كما أوضحنا في هذه السلسلة أن ممثلي الشعب العراقي المنتخبين في هذا العهد الجديد (النواب) سيقرّون الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية. وفعلاً أقرت الاتفاقية بـ144 صوتاً من الذين حضروا (حفلة التصويت) وكان عددهم 198 نائباً من مجموع 276 نائباً هم مجموع مجلس النواب العراقي الحالي أي بغياب 78 نائباً، وقد عارض الاتفاقية 35 نائباً، هم 30 نائباً يمثلون التيار الصدري بالإضافة إلى 5 نواب من كتل مختلفة لم يلتزموا بتعليمات أحزابهم، أما الـ 19 نائباً الفارق بين المؤيدين للاتفاقية ورافضيها فقد امتنعوا عن التصويت، ومنهم الدكتور إبراهيم الجعفري الذي شكّل الحكومة الثانية في عهد الاحتلال...!! والذي انشق عن حزب الدعوة الذي يرأسه نوري المالكي وأسس حزباً أسماه (الانطلاق والتنظيم) والذي يعتبره المطلعون على الشأن العراقي انشقاقاً ثانياً لحزب الدعوة، بعد انشقاق عبدالكريم العنزي. ويضيفون: بأن اقتناع أو معارضة الجعفري للاتفاقية ليس من موقف مبدئي مثل موقف الكتلة الصدرية التي يتوافق موقفها مع مصالحها الحزبية، فالصدريون أكثر الكتل السياسية والطائفية مواجهة مع الجيش الأمريكي وخاضوا معارك شرسة مع القوات الأمريكية من خلال ذراعهم العسكري (جيش المهدي)، كما أن ارتباطات وعلاقات التيار الصدري بإيران والذين لا يخجلون من هذه العلاقة، ولا ينفونها مثل حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (عبدالعزيز الحكيم) الذي وإن كان أكثر ارتباطاً بإيران إلا أنه يمارس هذه العلاقة وفق أسلوب (التقية)، وقد عجلت مواجهة ومعركة الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية العراق في تحديد مواقف الأحزاب الشيعية وباقي الكتل السياسية. فالأحزاب الشيعية المدعومة من قبل أمريكا، والتي لها الفضل في وصولها إلى السلطة بل وحتى عودة زعمائها إلى العراق بعد أن كانوا مطاردين ومقيمين خارج العراق، ولكن هذه الأحزاب ولأسباب طائفية ولفهم غير صحيح مبني على أن إيران الداعم الأكبر للشيعة، كانت جميع الأحزاب شيعية ميّالة إلى إيران ومتعاطفة مع مصالحها، وباستثناء حزب الفضيلة والساسة الشيعة من القائمة العراقية، إذا كان ميل ودعم الأحزاب الشيعة لإيران هو الذي مكّن إيران من بناء نفوذ وسمح لها بكل ما نراه من تدخل في الشؤون الداخلية العراقية، والآن وبعد أن دقت ساعة الحقيقة وفرضت (الاتفاقية الأمنية) على الأحزاب والكتل السياسية أن تحدد موقفها من الوقوف مع أمريكا أو إيران. فالذين صوتوا لصالح الاتفاقية الأمنية وخاصة من الأحزاب الشيعية رغم مطالبة إيران ومؤيديها بمعارضة الاتفاقية، قد اختاروا دفع الثمن لقوات الاحتلال الأمريكية التي مكنتهم من العودة للعراق والوصول إلى السلطة، والتخلي عن (دولة الطائفة) وهو خيار قاس فرض على الأحزاب الشيعية التي يعلم زعماؤها بأن عدم التصويت للاتفاقية الأمنية مع أمريكا يعني تسليم أعناقهم للمعارضين للاتفاقية، من مقاومة عراقية وحتى الصدريين، لأن تحليل مؤيدي الاتفاقية من الأحزاب الشيعية أوضح لهم بأن إسقاط الاتفاقية يعني انسحاب عاجل وغير منضبط للقوات الأمريكية مما سيسبب كثيرا من المشاكل ويوقع العراق في فراغ سياسي تسعى كل من إيران والمقاومة العراقية لملئه، وكلا الخيارين مدمر لهذه الأحزاب التي ستخسر كل ما حققته في ظل الاحتلال الأمريكي.. لذلك فقد اختاروا البقاء تحت العباءة الأمريكية ونزعوا الشودر الإيراني...!!
وهكذا، فإن العارفين بخفايا الملف العراقي، يؤكدون بأن (العراق الأمريكي الجديد) قد بدأ، وأن كل ما سبق في السنوات الخمس كانت فترة مخاض وولادة، وأنه وبعد أن أصبحت الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية واقعاً سياسياً وأمنياً واستراتيجياً فإن النفوذ الإيراني سيتراجع لصالح تقوية النفوذ والتأثير الأمريكي، وأن الدور الإيراني قد بدأ مرحلة الضعف وبداية الانكماش، وهذا ما لم تقبل به إيران ومؤيدوها وأنصارها في العراق بسهولة، والذي ستكون له انعكاسات سلبية بين الأحزاب الشيعية نفسها!!.
jaser@al-jazirah.com.sa