الكويت الشقيقة دولة استثنائية في برلمانها المسمى (مجلس الأمة)؛ فقد أثار هذا المجلس الكثير من البلابل والتشويش على سمعة الكويت الخارجية من كثرة الاعتراضات التي تقف ضد عمل ومسيرة الحكومة هناك.. نحن من أبناء الخليج نشعر دائماً بالقلق الشديد على مسيرة البناء في دولة شقيقة مثل الكويت التي تربطنا بها وشائج الدم والأخوة وفوق ذلك عقيدة الإسلام.. فنحن شعب واحد ومنطقة واحدة وهموم واحدة ومصير واحد.. ولكن الذي نسمعه ونقرؤه - في ظني - من بعض أعضاء مجلس الأمة هو خروج عن كل الأعراف البرلمانية، والتقاليد العربية والعرف المحلي في منطقتنا الخليجية.
خلال السنوات الماضية لا نسمع عن الكويت إلا قضية الاستجواب، استجواب النواب لبعض الوزراء الذين لم يستمر بعضهم في مناصبهم التنفيذية إلا لأشهر قليلة، وأصبح الاستجواب هو القضية الأولى في هذا البرلمان، وأصبح هو الشغل الشاغل لأعضاء البرلمان، أو لنكن أكثر تحديداً لبعض الأعضاء.. والاستجواب أصبح هدفاً بذاته، وربما يحقق مثل هؤلاء الأعضاء مجداً شخصياً على حساب مصلحة عليا للدولة ومصالح كبرى للمواطنين.
ما يدور في الكويت الشقيقة خلال الفترة الماضية لا يتكرر في أي تجربة برلمانية في أي دولة في العالم؛ فقد تحولت التجربة البرلمانية إلى أشبه ما تكون بتجربة غير مجدية، تشغل الجهاز التنفيذي عن العمل، وتشغل الرأي العام بموضوعات وقضايا شكلية لا تسمن ولا تغني عن جوع.. وفيما يبدو أصبح الاستجواب لعبة برلمانية تنتهي باستقالة الحكومة أو حل البرلمان.. وهكذا خلال فترة قصيرة يمكن أن نرى عدة حكومات متعاقبة، دون أن تكون هناك مبررات منطقية.. حيث إن العمل التنفيذي في مختلف الوزارات والهيئات يحتاج وقتاً طويلاً نسبياً حتى يمكن أن تتحقق أهداف التنمية والإصلاح والتطوير التي نطمح إليه في دولة الكويت الشقيقة وفي منطقتنا الخليجية..
وأبناء منطقة الخليج أصبحوا يشاركون أبناء الكويت الخوف من مشروع الديمقراطية والبرلمانات المنتخبة.. إذا كانت البرلمانات المنتخبة ستفرز عناصر تسعى إلى تفتيت الصف الوطني الواحد.. وقد نسأل: هل فعلاً تطبيق الديمقراطية يؤدي دائماً إلى مثل هذا المصير المجهول؟ والإجابة بكل تأكيد هي لا، في معاقل الأنظمة الديمقراطية سواء في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو فرنسا أو غيرها من الدول.. والاستثناء هو ما يحدث في الكويت من ممارسات غير معقولة باسم الديمقراطية وباسم حرية وسلطة البرلمان.
ما تحتاجه الكويت فعلاً هو مشروع بناء الدولة والوطن، واستثمار إمكانياتها المادية في عمليات بناء تنموية واسعة.. وفعلاً قد يرى البعض أن البرلمان على مدى العقود الماضية قد يكون هو أحد الأسباب التي ساهمت في عدم مواكبة عمليات التحديث والتطوير التي انطلقت في كثير من مدن الخليج الكبرى، وربما لم تجد مكانها في أي من مدن الكويت.. وإذا كان ما يحدث هذه الفترة هو الذي حدث خلال الفترات السابقة، فنتوقع أن الانشغال الأساسي لأجهزة الحكومة هو للتصدي للمناكفات والمناوشات البرلمانية المستمرة التي تعيق أي استقرار طويل لهذه الأجهزة في عملها الاستراتيجي وبرامجها التنموية للدولة والمجتمع.
نحن في منطقة الخليج نعيش قلقاً على ما يحدث من حالات كثيرة تصل إلى درجة الأزمات السياسية بين البرلمان والحكومة، ونعتقد أن مثل هذه الأزمات تؤثر على المواطنين هناك، وعلى صورة الكويت الخارجية.. والمراقب سيلاحظ أن كثيراً من هذه الأزمات مفتعلة، ومقصود منها النيل الشخصي من فلان، أو بناء مجد شخصي لفلان.. وفيما يبدو أن بعض الشخصيات البرلمانية لا تفكر إلا على مدى قصير، لا يتعدى القضايا الشكلية والأمور السطحية التي لا تقيّم أداء الحكومات على المدى الاستراتيجي..
أصوات العقل يجب أن تكون هي السائدة تحت قبة البرلمان، ويجب أن ينشغل البرلمان بالقضايا الكبرى، ولا ينجر نحو سفاسف الأمور وصغائر الهموم.. وينبغي أن يكون ميزان المصلحة العامة هو الحكم على أي أمر أو موضوع.. فلا يعقل أن تتصاعد قضية زيارة شخصية - مهما كانت - لتصبح هي مشكلة وطنية، تتحول إلى أزمة سياسية تهدد بقاء الحكومة، وربما حل البرلمان.. ولاسيما أن القضية تمت لها المعالجة الإدارية المناسبة.. من المهم أن يتأسس فكر برلماني لدى جميع الأعضاء مبني على أساس عدم تصيد الأخطاء، وعدم سوء النية..
إن مثل هذه المشاكل التي تلقي بظلالها سلباً على العلاقة بين الحكومة والبرلمان، وتصبح دائماً علاقة متوترة، من شأنها أن تسهم في تعطيل عجلة التنمية، ويصبح الشغل الشاغل للحكومة هو في التصدي لما قاله فلان من أعضاء المجلس.. ولما يمكن أن يفرزه الاستجواب من تداعيات وأزمات متوقعة.. وبات المشهد الكويتي معروفاً لدى الناس في الداخل والخارج.. فهو مشهد من السيناريوهات المعتادة التي ألفناها خلال السنوات الماضية.. نحن نحب ونحترم دولة الكويت الشقيقة، ونتمنى لها دائماً كل العزة والتقدم، فهم أشقاء لنا، ومصيرنا ومصيرهم واحد، ولهذا فنحن نشعر بأن ما يحدث داخل الكويت - وهو شأن محلي هناك - هو مصدر يقلقنا؛ لكونه لا يعكس طبيعة العلاقة السلسة التي ينبغي أن تسود بين المجلس وبين الحكومة..
* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa