الحظ كلمة شاع نطق الأفواه بها إما بفرح عارم وإما بكدر يائس ومن الملاحظ كثيراً أنه قد سيء استخدام جوهرها فتواجدت بكثرة فقط لدى اليائسين والمتململين ممن يطلقون على أنفسهم في حالة تعثرهم إلى سوء حظهم، وإن كان في كثير من الأحيان كالتحايل النفسي ليبرروا قلة أفعالهم وعدم إنتاجهم إيثاراً للدعة والراحة ورغبة في أن يبدوا بصورة أفضل لذواتهم, بينما لا نراها لدى العظماء المبادرين والمتفائلين المكافحين، ولو سئل من عرف ببراعته في مجال ما عن سر نجاحه لكان لسان حاله قول المتنبي:
بقدر الكد تكتسب المعالي
ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن طلب العلا بغير كد
أضاع العمر في طلب المحال
ولبادر سريعاً بذكر محاولاته وإصراره وتطويره لذاته، ولم يقم أبدا أي ذكر لحسن حظ أو سوءه وعلى الغالب إن سئل عن دور الحظ في حياته لما عرفه ولتعجب من مثل هكذا سؤال يريد أن يرمي بجهوده على مدى أعوام لفضل كلمة واحدة.
وهذا يدعو إلى التفكر الحكيم، فسعادة النجاح أو المال أو المنصب والسلطة التي حصلوا عليها يرجعها البعض إلى الحظ، بينما هي كد وعمل طويل استمر لسنين ما بين محاولات مكافحة وسقطات متتالية نجحت بقدر الله لأنه القائل جل علاه: { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}، والتاريخ مليء بالشواهد التي تثبت انه لا كرامات وخيرات بغير جهد عمل مخلص، وقد أثبت التاريخ واقعاً لشعوب ما زالت إلى هذا العصر تتلهف وتؤمن بخرافات أدوات مزخرفات تجلب الحظ، ولكنها مع ذلك ما جلبته ولن تجلبه ما دامت أجسادهم تؤثر الانتظار على الإقدام وعقولهم تعلق بمثل تلك الخزعبلات! وهناك حكمة أثبتت جدواها لدى من عمل بها يقولها صامويل جولدوين: كلما ضاعفت جهودي في العمل صرت أوفر حظاً .. فلذا كل ما علينا أن ندركه أن الحظ مكتسب فهو المحطة الأخيرة لرحلة طويلة من الجد والمثابرة في العمل بخوض المحاولات التي كان منها كثيراً من الفشل, وان نؤمن فعلياً أن أقدار الله لنا كلها حظٌ خيّر يتلوه خير.