دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبي بكر رضي الله عنه في ذروة أزمة الإفك فاستأذن ودخل على عائشة رضي الله عنها وقد أصابها من الهم النفسي ما يذيب الحديد ولكنها الصابرة المحتسبة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله - والقائد الناجح إذا كان لديه حل أن يُبادر بطرحه بُغية إنهاء المشكلة، فأول استراتيجيات النجاح القيادي المبادرة وتحمل المسؤولية، ويذكر ستيفن كوفي أن الشعور بالمسئولية والمبادرة أول صفات القيادي الناجح، لا كما يفعله بعض القياديين يجعل صاحب المشكلة يعيش لحظاتها عند كل شكوى لها - قالت عائشة: رد عليه يا أبي فسكت أبو بكر - وكان أبو بكر قد بلغ من الهم ما بلغ فلا يدري ما يقول - فقالت عائشة رضي الله عنها ردِّي عليه يا أماه فسكتت كذلك ولا تدري ما تقول - وهنا فائدة تربوية أن الصغير لا يتكلم بحضرة الكبير إلا لحاجة كما فعلت عائشة رضي الله عنها، خاصة إذا كان الكبير هما الوالدان أو أحدهما - فقالت عائشة: لو قلت لكم أني فعلت والله يعلم أني بريئة لتصدقوني -، وإن قلت غير ذلك لا تصدقونني ثم إنها من شدة الهم أرادت أن تستدعي المعلومات وتريد أن تذكر اسم يعقوب فلم تستطع فقالت: والله ما أقول إلا ما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون - وهنا فائدة نفسية أن الإنسان إذا كان في سورة غضبه وانفعاله ربما اختلطت عليه المعلومات فأنست بعضها بعضاً، وإذا استرخى تعامل معها بطريقة منظمة.
تقول عائشة فانقلبت ثم انقلص دمعي - وهذه فائدة نفسية فإذا فرّغ الإنسان ما في نفسه من الهموم استطاع أن يسلى بعد ذلك، ويُستحسن لمن رأى أحداً يُنفس الهموم الحبيسة أن يدعه كي ترتاح نفسه ثم يرشده فيما بعد، ولذلك النفوس المنتقمة لا تبكي أحداً لأنّ البكاء يريحها ، ويسليها..
أما أبو بكر رضي الله عنه كان يعيش في أزمة عظيمة خاصة عند نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تعاظم مستوى القلق عنده، لأن تلك الساعة ساعة الصفر فلا يدري بماذا سيأتي الوحي وما إن أفاق رسول الله حتى بث البشرى لعائشة فقال: أبشري يا عائشة لقد أنزل الله براءتك من فوق سبع سموات قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمِْ ...} الآيات.
وهنا رسالة إلى العالم بأسره أن في كل محنة منح ، وفي ذروة الأزمة تاج من الفرج يعلو، فقالت أم عائشة رضي الله عنها: قومي يا عائشة واشكري لرسول الله، قالت والله ما أشكر إلا الله.
وتتجلى مهارات القيادة ، والحب العاطفي من نهر الحنان رسول الله فلم يعاتب عائشة لأنها لم تشكره فقد راعى المشاعر المتأججة.
د. صالح بن راشد الهويمل
Salehrh1@hotmail.com