إن المتأمل في أحوال هذا الكون يجد من أعظم الدلائل على وحدانيته وكمال حكمته أنه جل وعلا يختار ما يشاء من الأشخاص والأمكنة ويخص ما يريد من الأشخاص والأزمنه لمقاصد عظمى وغايات كبرى وإن مما اختاره الله لعباده من الأمكنة المباركة هذا البلد الحرام خير الأماكن وأجل البقاع على الإطلاق عليهم الإتيان إليه من كل فج عميق وجعل هذا البلد حرماً آمناً ومكاناً مباركاً مكة المكرمة هي أفضل البقاع عند الله وأحب البلاد إلى رسول الله، هي مركز العالم وواسطة الدنيا وقطب الرحى في كيان هذه الأمة ولكي يستفيد الحاج من منافع الحج وآثاره وفضائله فإنه يجب على كل من أم هذا البيت العتيق أن يلتزم المنهج الشرعي والهدي النبوي في أداء هذه الفريضة العظيمة فللحج شروط وأركان وواجبات ومستحبات وضوابط وآداب لابد من مراعاتها.
إنه مما ينبغي العناية به والتنبيه عليه ذلك الأصل الذي تبنى عليه سائر العبادات من حج وغيره ألا وهو توحيد الله سبحانه وإفراده بالعبادة دون سواه، فأعظم مقاصد الحج ومنافعه تحقيق التوحيد لله والبعد عن الإشراك به، يقول سبحانه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}.
كما ينبغي أن يستشعر الحاج مكانة هذا البيت العتيق وقداسة هذه البقاع المباركة وما أحيطت به من التعظيم والمهابة فلا يسفك فيها دم ولا يعضد فيها شجر ولا ينفرد فيها صيد ولا تلتقط لقطتها إلا لمن عرفها فلا يحول هذا المكان إلى ما ينافي مقاصد الشريعة ومنهج الإسلام ولا تكون فيه دعوة إلا لله وحده ولا يرفع فيه شعار إلا شعار التوحيد لله ولا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤذي فيه المسلمين أو يروع الآمنين أو يصرف الحج إلى ما يخالف سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وأن يستعد الحاج للحج بالعلم النافع والفقه في الأحكام والبصيرة في معرفة المناسك علماً وعملاً والتحلي بالأخلاق الإسلامية العالية والآداب الشرعية الرفيعة وإن الأمة الإسلامية اليوم لفي أشد الحاجة إلى استجلاء دروس الوحدة والإيمان والصبر والمثابرة والتعاون والإخاء والاجتماع، وكلها من ثمرات وآثار هذه الفريضة العظيمة، جمعها الله بقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}.
وللحق والتاريخ نقول: إنه لم يشهد الحرمان الشريفان عناية ورعاية وخدمة للحجيج كما حصل ويحصل في هذه البلاد المباركة. فباسم المسلمين جميعاً وباسم الحجاج والعمار والزوار نرفع أكف الضراعة لمن كان خلف هذا العمل الإسلامي الجليل أن يحزيهم الله خير الجزاء وأوفره وأن يجعل ذلك في موازين أعمالهم مع ما يؤمل من بذل المزيد، زادهم الله من الخير والهدى والتوفيق بمنه وكرمه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
*وزير العدل