Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/11/2008 G Issue 13209
الخميس 29 ذو القعدة 1429   العدد  13209
الإرهاب الإلكتروني طرقه والوقاية منه (1-2)
د. يوسف بن أحمد الرميح

الإنترنت هي إحدى أهم التقنيات الحديثة، وهي وسيلة التواصل والاتصال بين الأفراد والمجتمعات، وهي كذلك وسيلة نشر الثقافة لسهولة عرضها واتساع انتشارها وقوة طرحها ويسر استخدامها، والإنترنت دخلت علينا جميعاً وعلى مجتمعنا بصورة سريعة ولم تُستوعب حقاً من قبل عدد كبير من الشباب خاصة أن مجتمعنا هذا مجتمع محافظ جداً والقيود على الشباب يجب أن نعترف بأنها كثيرة وكبيرة، وأتت الإنترنت لتجعل نافذة كبيرة للشباب للتعبير بكل ما يخطر لهم على بال. عندما دخلت الإنترنت للعالم العربي كانت ضعيفة وهزيلة، ولكن استخداماتها قفزت قفزات هائلة وسريعة ومذهلة. فلقد حقق مستخدمو الإنترنت في العالم العربي أكبر وتيرة نمو في العالم كله في الفترة بين 2000 - 2007م بلغت نسبتها 93.18% بعدد يتراوح بين 28-33 مليون إنسان من المجموع العالمي للمستخدمين والبالغ عددهم 1.319 بليون مستخدم بنهاية ديسمبر 2007م، وأصبح المتكلمون باللغة العربية يمثلون المرتبة العاشرة في العالم، وهذا الرقم مرشح للارتفاع وبسرعة هائلة، حيث ما زال يُعدُّ ضئيلاً إذا ما قورن بالدول الأخرى، إذ يشكل العرب المتعاملون مع الإنترنت 7.5% من عدد السكان، بينما في أوروبا فيبلغ 35.5% من العدد، و67.4 في أمريكا الشمالية، و17% من سكان الصين يتعامل معها. وتذكر إحدى الدراسات الحديثة أن هنالك 4.5 ملايين سعودي يتعاملون أو تعاملوا مع الإنترنت، أي 18% من سكان المملكة، الغالبية العظمى من هؤلاء هم من جيل الشباب. وذكرت الدراسة أن نسبة منهم دخلت مواقع فاسدة أخلاقياً أو فكرياً، وهذا بحد ذاته مشكلة.

لقد ظهر التزاوج بين الإنترنت والإرهاب بشكل أكبر وضوحاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فلقد انتقلت المواجهة ضد الإرهاب من مواجهة مادية مباشرة واقعية انتقلت إلى الفضاء الإلكتروني، حيث أصبح الإنترنت من أشد وأكبر الأسلحة الفتاكة. ولقد استخدم أرباب الفكر الضال والإرهاب الإنترنت في معركتهم على عدة محاور أهمها: أن يصبح الإنترنت عاملاً مساعداً للعمل الإرهابي التقليدي المادي، وذلك بتوفير المعلومات المهمة والضرورية عن الأماكن الحساسة والمستهدفة أو كوسيط في عملية التنفيذ. وثانياً، هو تأثير الإنترنت العضوي والنفسي من خلال التحريض على بث الكراهية والحقد وحرب الأفكار. وثالثاً، يعطي صورة رقمية من خلال استخدام آلياته الجديدة في معارك تدار رحاها في الفضاء الإلكتروني والتي لا يقتصر تأثيرها على بعدها الرقمي وتتعداه لإصابة أهداف أخرى.

ولقد تطورت المواقع الإرهابية التي تنشر فكر القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية من أربعة مواقع في عام 1998م إلى قرابة العشرة في 2001م، ومن أحداث الحادي عشر من سبتمبر حصل لهذا الفكر انفجار في العدد والسعة والكثافة فتحولت من عشرة إلى قرابة أربعة آلاف في غضون أربع سنوات، وهي اليوم تعد حسب إحدى الاحصائيات أقرب للعشرين ألف موقع. لقد أصبحت الخلية الإرهابية لا يهمها كم من الناس قُتلوا بقدر ما يهمها كم من الناس شاهدوا وتفاعلوا مع الحدث الإرهابي، وهذا حول أفراد الخلية الإرهابية من مجموعة قليلة من الناس مبعثرة جغرافياً لتشكل مجتمعاً خاصاً بها يساعدها على الالتحاق والتواصل الدائم. هذا الأمر يوهم الآخرين بأن هذا المجتمع كبير وغير محدد الأبعاد الكمية وقوي ومنظم.. بينما هو على العكس تماماً، فقد تكون هذه الخلية قائمة على شخص واحد أو شخصين مع أجهزة حاسب محمول والكثير جداً من وقت الفراغ.

يجب أن نعترف بأن الإرهاب بالأمس كان يتسلح ببندقية، أما إرهابي اليوم فبجهاز حاسب محمول، وهذا الذي حول الإنترنت لأداة رئيسة في النشاط الإرهابي الدولي. لقد خدم الإنترنت الخلية الإرهابية من حيث تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم تلك الخلايا التي تمتلك عدداً قليلاً من الأفراد لديهم أو لدى أحدهم خبرة بالإنترنت وبرامج الملتيميديا لبث رسائل إعلامية تخدم أهدافهم لشن حرب نفسية ضد مستهدفيها والدعاية لأهدافها وأنشطتها بعيداً عن وسائل الإعلام التقليدية، كذلك لتحقيق الترابط التنظيمي بين الجماعات والخلايا ولتبادل المقترحات والأفكار والمعلومات الميدانية حول كيفية إصابة الهدف واختراقه، والتخطيط والتنسيق للعمل الإرهابي، كذلك في تدمير مواقع الإنترنت المضادة واختراق مؤسسات حيوية أو حتى تعطيل خدماتها الإلكترونية.

إن أهم العناصر التي تخدم الخلايا الإرهابية التي توفرها لها الإنترنت كما ذكرها عدد من المتخصصين:

- التنقيب عن المعلومات، حيث إن شبكة الإنترنت عبارة عن مكتبة مليئة بالمعلومات الحساسة.

- الاتصالات، حيث تساعد الشبكة الإلكترونية على الاتصالات بين أعضاء الخلية الإرهابية بعضهم ببعض والتنسيق فيما بينهم وذلك لقلة تكاليف الاتصالات مقارنة بالوسائل الأخرى، كما تمتاز بوفرة المعلومات التي يمكن تبادلها بالصوت والصورة.

- التعبئة وتجنيد إرهابيين جدد. وهذا الأمر يحافظ على استمرار الخلية وبقائها، وهم يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمي الإنترنت مع قضاياهم ويجتذبون الصغار بعبارات حماسية مثيرة خاصة من خلال غرف الدردشة الإلكترونية.

- إعطاء التعليمات والتلقين الإلكتروني، وذلك بواسطة مواد مرئية ومسموعة تشرح وببساطة طرق صنع القنابل والأسلحة الكيماوية.

- التخطيط والتنسيق، حيث تعد الإنترنت وسيلة اتصال بالغة الأهمية بالنسبة للمنظمات والخلايات الإرهابية، حيث تتيح التنسيق لشن هجمات إرهابية ويستخدم أرباب الإرهاب emails و chat rooms لتدبير الهجمات الإرهابية وتوزيع الأدوار وتنسيق الأعمال والمهام لكل عضو في الخلية.

- الحصول على التمويل، حيث إن أرباب الإرهاب يحصلون من الإنترنت على قوائم إحصائية سكانية للتعرف على الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة ومن ثم استجدائهم لدفع تبرعات وصدقات وزكوات لأشخاص اعتباريين أو مؤسسات خيرية يمثلون واجهة لهؤلاء الإرهابيين وذلك بطرق لا يشك فيها المتبرع بأنه يساعد أحد المنظمات الإرهابية.

- مهاجمة المنظمات الإرهابية الأخرى، حيث إن الإنترنت هي حلبة مصارعة بين المنظمات وبين الخلايا وحتى أعضاء الخلية الواحدة، وتمتلئ المواقع الإلكترونية بالسباب والتشائم واللعان بينهم.

للأسف لقد أصبح اليوم وفي عصر الإرهاب الرقمي الحاسب الآلي المحمول وكاميرا الفيديو المحمولة على الكتف أو اليد أصبحت بأهمية وخطورة الكلاشينكوف وقذيفة (الار بي جي). وهذا ما أشار إليه أحد قادة الإرهاب عندما ذكر بالحرف (إننا نخوض أكثر من نصف معركتنا في الساحة الإلكترونية والإعلامية). وقدم هذا الإرهابي نصيحة لكوادره قائلاً: (عليكم أن تدركوا أن كل لقطة تلتقطونها هي بأهمية صاروخ يطلق على العدو...). لقد استغل الإرهاب الحاسب والكاميرا إلى أقصى حد ممكن فأصبحت تقدم أدلة عسكرية على شكل كتب وأفلام وسلايدات (باور باوينت) تتضمن معلومات شتى عن الأسلحة وتقنيات الأغنيات وصنع المتفجرات والسموم. لقد أصبحت شبكة الإنترنت الواسعة وكأنها معسكر تدريب افتراضي للإرهابيين. وللأسف فلغة الغالبية العظمى من هذه المواقع هي العربية وهي تدعو للجهاد ولكن في الوقت نفسه تعلم أصول صنع المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة. هذه المواقع الإرهابية والمتطرفة من الصعب جداً تعقبها لأنها تظهر على الشبكة الإلكترونية ثم تختفي سريعاً. والأصعب من ذلك معرفة وتتبع الأشخاص المسؤولين عنها لأن أماكن إخفاء الهوية على الإنترنت تزداد سهولة، ولقد نشرت صحيفة النيويورك تايمز تقريراً يؤكد أن 90% من الهجمات الإرهابية استخدم فيها متفجرات صناعة يديوية من تلك التي توجد وصفاتها بكثرة على شبكة الإنترنت. لقد لعب البريد الإلكتروني دوراً مهماً في التواصل بين الإرهابيين وتبادل المعلومات بينهم، بل إن كثيراً من المعلومات الإرهابية التي حدثت في الآونة الأخيرة كان البريد الإلكتروني فيها وسيلة من وسائل تبادل المعلومات وتناقلها بين القائمين بالعمليات الإرهابية والمخططين لها.

وإذا كان التقاء الإرهابيين في مكان معين لتعلم طرق الإرهاب وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات صعباً في الواقع فإن الإنترنت سهلت هذه العملية كثيراً، إذ يمكن أن يلتقي عدة أشخاص في أماكن متعددة في وقت واحد ويبادلون الحديث، بل يمكن لهم أن يجمعوا لهم أتباعاً وأنصاراً عبر إشاعة أفكارهم ومبادئهم من خلال مواقع الإنترنت ومنتديات الحوار وما يسمى بغرف الدردشة. وإذا كان الحصول على وسائل إعلامية تقليدية كالتلفزيون والإذاعة صعباً، فإن إنشاء مواقع الإنترنت واستغلال منتديات الحوار وغيرها لخدمة أهداف الإرهابيين أصبح سهلاً وممكناً، بل تجد لبعض المنظمات الإرهابية آلاف المواقع حتى يضمنوا انتشاراً أوسع وحتى لو تم منع الدخول على بعض هذه المواقع أو تعرضت للتدمير تبقى المواقع الأخرى سهلة الوصول.

إن المواقع الإرهابية والمتطرفة للأسف تتطور بسرعة خارقة من حيث التصميم والإمكانات التقنية. ولقد تنبه الإرهابيون مبكراً جداً إلى الإمكانات التي تتيحها الإنترنت مما جعلهم يطورون تقنياتهم فيها. وللأسف فما زالوا يحافظون على سعيهم الدائم للتطور والتنظيم الإلكتروني. للأسف يوجد على الشبكة الإلكترونية بعض المواد التي تعد بمثابة دروس مجانية للإرهابيين، خصوصاً المبتدئين منهم، ابتداء من بيان كيفية صناعة الزجاجة الحارقة، مروراً بكيفية صنع الطرود المفخخة وصولاً إلى كيفية صناعة بعض القنابل. ولقد أصبح كل ما يحتاجه الإرهابي المحترف في هذا المجال الحيوي والمعقد هو جهاز حاسب آلي واتصال بشبكة الإنترنت مما يتيح لهذا الإرهابي القيام بأعمال تخربية وهو آمن في مقره بواسطة نقرات بسيطة على لوحة المفاتيح ودون أن يترك أثراً. هذه النقرات على لوحة المفاتيح قد تنطوي على أوامر موجهة لبعض الخلايا للقيام بأعمال إرهابية معينة. للأسف يجب أن نعترف أن الإنترنت لها مجال مفتوح وواسع وبلا حدود ويتوسع في كل يوم، ويمكنك من موقعك من أي بلد الوصول لأي مكان دون أوراق أو تفتيش أو قيود، وكل ما تحتاجه هو بعض المعلومات لتستطيع اقتحام الحوائط الإلكترونية. كما أن تكاليف القيام بمثل هذه الهجمات الإلكترونية لا يتجاوز أكثر من حاسب آلي واتصال بشبكة الإنترنت. لقد أصبح الإرهاب الحديث أكثر ضراوة لاعتماده على التكنولوجيا المتطورة للإنترنت التي ساعدت المنظمات الإرهابية في التحكم الكامل في اتصالاتهم ببعضهم البعض، مما زاد من اتساع مسرح عملياتهم الإرهابية، وبالتالي أصبح من الصعوبة اصطياد هذا الوحش الإلكتروني الجديد وتدميره وقتله.

يجب أن نعرف أن الوجود الإرهابي النشط على الشبكة العنكبوتية متنوع ومراوغ بصورة كبيرة، فإذا ظهر موقع إرهابي اليوم فسرعان ما يغير نمطه الإلكتروني، ثم يختفي ليظهر مرة أخرى بشكل وعنوان إلكتروني جديدين بعد فترة قصيرة. ومما لا شك فيه أن الإرهاب الإلكتروني والمعلوماتي هو إرهاب الغد نظراً لتوسع وتعدد وتنوع مجال الأهداف التي يمكن مهاجمتها مع توفير قدر كبير من السلامة للمهاجمين وعدم تعرضهم لخطر اكتشاف هوياتهم أو حتى المواقع التي شنوا هجومهم منها إلا بعد وقت طويل وجهد في البحث. هذا الإرهاب الإلكتروني له خسائر غير متصورة وهائلة، فتوقف التجارة الإلكترونية مثلاً ليوم واحد قد يتسبب في خسائر لأكثر من ستة مليارات ونصف المليار دولار، وهكذا يمكن لمنظمة إرهابية إلحاق الكثير من الأذى والخلل لأعمال البنوك والبورصات وحركة الطيران، بل وحتى تغيير مواصفات تركيبة الأدوية في مصانع الأدوية مما يترتب عليه خسائر في أرواح البشر.

لقد دمرت منظمة إرهابية في أستراليا عام 2000م شبكة الصرف الصحي بواسطة عملية إلكترونية، كما في العام نفسه عندما أفلحت منظمة آوم شيريكو الإرهابية اليابانية من اختراق نظام البرمجة المتحكم في مسار أعداد هائلة من سيارات الخدمة العامة، وقد نجحت تلك المنظمة بواسطة التلاعب بأنظمة الحاسب والإنترنت من أعطال أنظمة أكثر من خمسين شركة يابانية كبرى واختراق أنظمة عشر إدارات حكومية وتوجيهها لصالحها، ولم يتم اكتشاف هذه الاختراقات إلا بعد أن تكبدت الشركات والحكومة خسائر باهظة. كذلك استطاعت إحدى المنظمات الإرهابية من مسح جميع البيانات السكانية لليابان بواسطة اختراق أحد المواقع الحكومية. وفي عام 2000م وحده حصلت أكثر من مائة وثمانين ألف حالة اختراق إلكترونية لمؤسسات اقتصادية ومالية كبرى في العالم. وهذه الهجمات والاختراقات تزيد بمعدل 60% سنوياً. كذلك من أدوار الإنترنت السلبية هي نشر الإشاعات الكاذبة بين الناس مما يؤدي لنشر الخوف والهلع بين الجمهور، كما حصل في إحدى العواصم العربية عندما نشر شاب وجود سفاح يقتل النساء فأثار الرعب في تلك العاصمة ولمدة طويلة.

جامعة القصيم



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد