ما بين غمضة عين وانتباهتها يفرج الله من حال إلى حال |
ما أحوج الأرض ومن عليها من البشر، وسائر الحيوانات والكائنات الحية، إلى الماء وقطرات المطر؛ لأن الماء عنصر أساسي ومهم في الحياة عموماً. |
قال الله في مُحكم كتابه العزيز: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَي}. (الآية) وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.(الآية). فبالأمس القريب كانت المملكة تشكو شح نزول الأمطار في كثير من نواحيها؛ ما جعل بعض النخيل والأشجار تموت واقفة لتوالي الجفاف عليها، وقد هرع الناس إلى المولى بالدعاء، وبصلوات الاستغاثة، بأن يرحم العباد والبهائم بإنزال الغيث، وعندما أديت صلاة الاستسقاء، أخذت السحب تلوح في الأفق إيذاناً باستجابة المولى لدعوات المصلين، وما هي إلا لحظات حيث تكاثفت وتراكمت تلك السحب والبروق تومض بين الغمام، وهزيم الرعد يدوي في جنباتها، فالله سبحانه هو المجيب لدعوة الداعي وهو القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.(الآية)، حيث انهمر المطر في أول الموسم بغزارة شمل الكثير من بقاع البلاد. |
هلّ السحاب بوابل ظل منهمراً |
فأخفت السحب عنا الشمس والقمرا |
فاستبشر العباد بذلك الوابل الصيب، فأخذ البِشر والفرح يطفح على محيا كل فرد ابتهاجاً ومسرة، حتى الحيوانات والطيور أحست بهذه النعمة، وبدا عليها الارتياح والابتهاج، وقد رأينا صغار الماعز من الأغنام تقفز في الهواء قفزات بهلوانية تعبيراً عن فرحها وغبطتها بنزول هذه الرحمة، كذلك الطيور أصبحت مغردة على أغصان الأشجار تخالها نشوانة من طرب، وأسراب الحمائم تشدو بألحانها الشجية: |
هنالك حيث تغني الطيور |
فتصغي الحياة ويرنو الوجود |
تجاوب ورقاً قد أصخن لصوتها |
فكل لكلٍ مسعد ومجيب |
فسبحانه المغير من حال إلى حال، حتى أن الأشجار والنخيل بدت عليها النظافة والنضارة بتحول ما قد كساها من أتربة وغبار، كما أن طلائع الأعشاب والنباتات أخذت في النهوض من مراقدها تحت الأرض، ومن أجواف بذورها لتكسو أديم الغبراء أعشاباً وأزهاراً ونواراً وأقواتاً جيدة خالية من المنشطات الكيميائية لترعاها سائر الحيوانات، فما أجمل هطول الأمطار وجريان الأودية والشعاب من مياه السماء ومزن السحاب، فما إن يتوقف انهمار المطر حتى ترى الكثير من الناس يخرج من منزله ممتطياً سيارته أو راجلاً ليمتع ناظريه بجريان السيل المتجه صوب مزارعهم ونخيلهم الظمآن وسدودهم، ولاسيما البلدان والأرياف خارج المدن الكبرى الآهلة بالنخيل والأشجار، وأماكن الحراثة، تجدهم شباباً وشيباً يتجولون متنقلين من مكان لآخر للاستمتاع بمشاهدة شريان الحياة المتدفق وزبده الرابي، والابتسامات تعلو وجوههم فرحاً وغبطة، حامدين رب العالمين جلّت قدرته على إنعامه وفضله على عباده، كما أن سكان المدن الكبرى ينفرون منها بعوائلهم وأطفالهم للاستمتاع بالسيول والغدران الواقعة على جنبات الطرق، فالعابر لتلك الطرق العامة - على مستوى المملكة - يشاهد مناظر تؤنس الأبصار، ولاسيما البقاع الممطورة، يشاهد بعض الأسر والعوائل جلوساً حول تلك الغدران يتناولون طعام الغداء أو الشاي وأطفالهم يجرون ويلعبون حول البحيرات الصغرى والكبرى، وأعين والديهم تلاحظهم خشية الوقوع في هاتيك الغدران لئلا ينقلب الفرح ترحاً متلذذين بأصوات أطفالهم التي تشبه زقزقة العصافير.. تعبيراً عن بهجتهم ولذة النظر إلى ما حولهم، فنعم الله على عباده لا تحصى، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. |
حريملاء |
فاكس: 015260538 |
|