باريس العاصمة الفرنسية، عاصمة العراقة والثقافة الأوربية، عاصمة الجمال يردها عدد كبير من الزوار للسياحة والاصطياف خلال الفصول الأربعة من العام من كل الجنسيات في العالم، ومنهم أبناء المملكة، حيث يعتبر أبناء الشعب السعودي من الجنسيات القادرة ولله الحمد على التمتع بالأجواء الفرنسية.
هذا الانطباع نجده لدى الكثير ممن قابلت حيث إن المملكة من الدول الغنية القوية في اقتصادها والتي يشار لها بالبنان في قائمة دول العالم المانحة التي تهتم بمساعدة الآخر، هذا ما لمسته من الناس خاصة بعض الجنسيات التي تتمنى أن يكون لها طريق للعمل في المملكة أو التعاون مع السعودية في مجال تجاري أو غيره، كذلك لاحظت ذلك عندما كنت في عملي بالوفد الدائم للمملكة لدى اليونسكو. فإذا كان هذا الانطباع موجودا لدى الكثير من الناس عن السعودية، فما علينا ألا أن نركز على وضعنا كسعوديين بحيث يتناسب ما يفهم عن السعودية، مع ما تملكه السعودية في الخارج، وكذلك يتوافق مع جمال التطور والازدهار الذي نفتخر به في مدن المملكة، لكن هذا لا يعكس الواقع الذي تعيشه بعض المكاتب السعودية في الخارج. فعندما تزور سفارات خادم الحرمين الشريفين في عواصم بعض الدول الهامة مثل واشنطن ولندن وموسكو وغيرها من العواصم الكبيرة، تجد جمال مباني تلك السفارات من خلال قراءة الزائر للثقافة الإسلامية العربية السعودية العريقة عندما يقف شاخصاً أمام الديكورات السعودية الجميلة، واللوحات التي تنقل صورا رائعة عن تطور المملكة وتراثها المجيد وآثارها التاريخية.
إذن فلماذا سفارتنا في باريس ليست في مستوى السفارات الأخرى من حيث المبنى والإمكانيات الجيدة، لماذا المباني الحكومية السعودية في باريس جميعها متواضعة ولا تعطي أي انطباع عن المستوى العالي للمملكة سواء سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافيا. فمبنى السفارة والمباني الحكومية الأخرى في باريس بين القديم والمستأجر، وهذا في الواقع لا يحقق الأهداف المنشودة من وجود تلك المباني ولا يعطي الصورة الواقعية والحقيقية للمملكة.
فمسؤولية وزارة الخارجية الاهتمام بمبنى السفارة السعودية في باريس، حيث يحتاج إلى تغيير بالكامل، وتأمين مبنى يحتوي على قاعات متعددة الأغراض والأهداف لكي يضفي جمال اللوحات الثقافية الجميلة عن المملكة ونموها وتراثها على جمال المبنى، والنماذج المعمارية للعديد من المشاريع الرائدة، فكيف يكون الموقف عندما يرغب مسؤول فرنسي القيام بزيارة السفير في مكتبه سواء هي زيارة عمل أو زيارة مجاملة دبلوماسية، وهو سبق له أن اطلع على التطور والتقدم في المملكة، سواء من خلال قراءته الخاصة أو اطلاعه على النشرات الإعلامية فيجد أن هناك فرقاً شاسعاً فيما عرفه عن المملكة، وما يشاهده بين أروقة السفارة، هذه الوقفة التي قد تكون وقفة لحظية من التفكر الذي سيولد العديد من التساؤلات في مصداقية البلد ورجاله من خلال الفرق الشاسع بين الواقع السعودي في سفارة باريس، وبين ما يكتب عن التطور في السعودية، وفي أغلب الأحيان التناقض والتضارب بين حقيقتين يرجح في كل الأحوال لشمولية التقصير وعدم الاهتمام والنقص مما يولد التشكك في مصداقية المملكة.
فالقنصلية السعودية في باريس مبني مستأجر في أحد الشوارع الصغيرة بعيداً عن مبنى السفارة، ومبنى المدرسة السعودية في باريس قديم ومتهالك، وطلابه هم أبناء الدبلوماسيين من السعوديين وبعض العرب، والغريب أن هذا المدرسة سبق وأن زارها وزير التربية والتعيم ونائبه ولكن للأسف لم يحرك ساكناً، أعتقد أنهما لم يكلفا أنفسهما برفع تقرير لمقام خادم الحرمين الشريفين أو لسمو ولي العهد حفظهما الله عن وضع المدرسة، فولاة الأمر لا يقبلون بالنقص والتقصير في أي أمر يعود على المملكة بالسمعة الطيبة أو فيما يتعلق بما يسعد المواطن السعودي سواء في داخل المملكة أو خارجها.
وأنا واثق أنه لو تقدمت وزارة الخارجية والتربية والتعليم خطوة نحو تأمين المباني المطلوبة للسفارة والقنصلية والمدرسة السعودية في باريس، فإن سفير خادم الحرمين الشريفين الدكتور محمد بن إسماعيل آل الشيخ، سيتقدم بخطوات جبارة ويهتم بالبحث عن المباني المناسبة وبأسعار جيدة، لأنه حريص جداً على سمعة المملكة في كل صغيرة وكبيرة، ويعرف أن تلك المباني هي واجهتنا الساطعة كسعوديين في باريس.
والله ولي التوفيق.
باريس - المندوب الدائم للمملكة لدى اليونسكو سابقاً