Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/11/2008 G Issue 13209
الخميس 29 ذو القعدة 1429   العدد  13209
الحج وحسن الخاتمة
علي بن عبدالعزيز الشبل

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.. أما بعد

فإن، حسن الخاتمة أمنية يرجوها كل مؤمن ومؤمنة، وسوء الخاتمة دركة يستعيذ الله منها إلحاحاً وعبودية، ولذا شفق الصالحون منها ورغبوا في حسن العواقب، حيث استقر في قلوبهم أصل عظيم وجليل، وهو أن السعادة والشقاوة مناطة بخاتمة الإنسان، حيث الأعمال بالخواتيم، والأصل في هذا ما صح في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقى هو والمشركون، وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة ولا فاذة ألا تبوه بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أهل النار. فقال رجل من القوم أنا أصاحبه فأتبعه، فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على نفسه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله، فقص عليه القصة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة، إنما الأعمال بالخواتيم).

وهذا يتفق مع حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً وفيه: فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ليعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وأن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلى ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. متفق على صحته. فالحديثان يفسران بعضهما، ويؤكدان على أهمية حسن الخاتمة، والتحذير والتنبيه من سواها.

ومن ها هنا تظهر عقيدة المؤمن تجاه خوف الله ورجائه، وهما كما ذكر العلماء جناحا المؤمن، يطير بهما إلى ربه، مع تغليبه في حال الصحة جانب الخوف؛ ليحذر معصية الله وأسباب غضبه، ويغلب في جانب الموت والاحتضار جانب الرجاء ليبلغ بأمنيته رحمة ربه ورضوانه ثقة واعتماداً عليه.

ولحسن الخاتمة علامات يسبقها توفيق الله وهدايته وإلهام رشده، ومن ذلك الموت عقب عبادة كحج أو عمرة أو صلاة ونحوها، أو يموت في أثناء عبادة من العبادات أو يختم له بكلمة التوحيد ونحو ذلك.

ولسوء الخاتمة علامات يسبقها تقدير الله وقضائه الكوني والقدري العام، ومن ذلك الموت عقب معصية ولاسيما المعاصي الظاهرة كالرياء في عبادة أو شرب خمر أو غناء أو زنا أو كفر بالله، فالواجب على الراغب الراهب إلى مولاه الحذر الشديد من سوء الخاتمة وسوء المنقلب والحرص الشديد أيضاً على حسن العاقبة وجميل الخواتيم وسؤال الله ذلك بإلحاح وانطراح بين يديه، والمداومة على العمل الصالح - وإن قَلّ - ومراعاة موضوع النوايا وإخلاصها وتمحيصها لله عز وجل قصداً وعلماً وقولاً، بتجريد التوحيد لله عز وجل بالمحيا والممات وبسائر العمل والقول.

هذا، ولا يجوز التلاعب والاستهزاء والسخرية بالألفاظ الشرعية والأوصاف الدنيئة كلفظ الشهادة ووصف الإنسان بها عيناً إلا من وصف له بذلك الشارع الحكيم في الوصيين الشرعيين.

لأن الشهادة يلزم عليها مغفرة ذنب الشهيد ووجوب الجنة له ونجاته من النار؛ لذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة عدم الشهادة لمعين بجنة ولا نار إلا من شهد له النص من كتاب الله وسنة رسوله.

وإنما ترجى الشهادة لمن حقق أوصافها وانتفت عنه موانعها، وعليه فلا يليق ولا يصح وصفها لمن عرف بالفسق واشتهر بالمعاصي، وأخشى أن يكون ذلك من التألي على الله، والتحكم عليه والاستهزاء وابتذال دينه ولاسيما في باب الأسماء والأحكام فلينتبه الإنسان لنفسه في مقاله وفعله ومقصده، فالسالم من سلمه الله، وليجعل الإنسان الله عند قوله وفعله ونيته. والله أعلم.

المدرس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد