يقول الخبر الذي نشرته جريدة الوطن (تواجه الفتاة السعودية روان أبو شادي 21 عاماً ما يشبه الحبس في مستشفى عرفان الطبي بجدة نتيجة عجزها عن سداد متأخرات مالية لفاتورة علاجها التي وصلت حتى أول من أمس إلى 128 ألف ريال، وكانت الفتاة قد تعرضت لسقوط عرضي في منزلها ألحق بها كسوراً مضاعفة تطلبت إجراء ثلاث عمليات جراحية). وجاء في الخبر (إن إدارة المستشفى تمنع عنها الوجبات الغذائية، واستلام أي غيارات نظيفة لملابسها، وقطعت الاتصال الهاتفي عن سريرها الطبي). وتقول المريضة (أمي وإخواني يخافون من زيارتي منذ ثلاثة أسابيع حتى لا يتم القبض عليهم في المستشفى).
أي أن هذه الشابة ليست مسجونة، فحسب، وإنما يجري (تجويعها) من قبل إدارة المستشفى، كما جاء في سياق الخبر، والسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف علاجها إلى المستشفى، والذي هو -أيضاً- ليس مؤسسة خيرية وإنما منشأة اقتصادية، تسعى إلى الربح، وضمان الحقوق المالية المترتبة على تقديمها الخدمات الطبية (لعملائها) من المرضى، حتى وإن تطلب الأمر (سجن) العميل، والتحفظ عليه، ومضايقته بكل الطرق (غير الإنسانية)، حتى يدفع مستحقات المستشفى.
الغريب أن المسؤول الحكومي عندما طرحت عليه القضية من قبل الجريدة قال (أستنكر ما تقوم به المستشفى من منع الوجبات عن الفتاة واحتجازها). وأضاف (إن النظام يمنع حجز المواليد والأطفال والمرضى والجثامين في المستشفى). موضحاً (أن هناك قنوات شرعية يستطيع المستشفى من خلالها الحصول على حقه المالي، ويمكن أخذ تعهد بالدفع على ولي أمر المريضة).
هذه القضية مثال واضح على سلبيات الخدمات الطبية عندما تتحول إلى (بزنس)، وفي الوقت ذاته لا يوجد (تشريعات) تعالج ما يترتب على هذا (البزنس) من سلبيات محتملة. ولعل ما تتعرض له هذه المسكينة إحدى تجليات غياب هذه التشريعات، إضافة إلى أن المسؤول الحكومي الذي كان من المفروض أن يتولى التعامل مع مثل هذه القضية اكتفى (بالاستنكار). وأقر بعدم نظامية حجز المريضة، دون أن يباشر بنفسه، أو من خلال الجهاز الحكومي الذي ينتمي إليه حل المشكلة، وهذا ينقل القضية إلى اتهام مباشر لوزارة الصحة، لأنها - من حيث المبدأ - هي المسؤولة الأولى عن إيجاد مثل هذه التشريعات، ومن ثم المسؤولة عن مراقبة تنفيذها، ومعالجة ما ينشأ نتيجة التطبيق من انحرافات، وتقويمها، وليس الاكتفاء (بالاستنكار) كما هو تعامل المسؤول في وزارة الصحة كما جاء في الخبر.
وهذه القضية ليست نادرة الحدوث، وإنما هناك الكثير من القضايا المشابهة لها التي لم تصل إلى الصحافة، وتعج بها المستشفيات الخاصة.
غياب التشريعات التي تنظم علاقة المستشفيات الخاصة بالمرضى هو السبب الأول لهذه المآسي غير الإنسانية. وفي تقديري أن وجود هذه التشريعات كان يجب أن يسبق السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في الخدمات الطبية، لكي لا يتحول (الاتجار) في هذه الخدمات الإنسانية إلى (حارة كل من إيدو إلو) كما هو وضع مستشفياتنا الخاصة الآن للأسف. إلى اللقاء.