زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
الشخصية التجنبية
Avoidant Personality
* نحن عائلة مكونة من أربع أولاد وبنت.. وهي: أنا وترتيبي الثانية وأنا متزوجة أنا وأخي الكبير وسؤالي عن أخي الأصغر مني وهو موظف بالمنطقة الشرقية وهو من مواليد 1413هـ. أخي هذا لما كان بالصف الثاني وقع على ساقه جزء من حائط وبعد سلسلة من العمليات الجراحية أثرت على طول ساقه وطريقة مشيته ومظهره لفترة طويلة إلى أن عمل عملية تطويل للساق، والآن مشيته معتدلة ولكن إحساسي أنه غير مقتنع ويريد أن يعمل عملية تطويل أخرى، وهو من طفولته يحب أن يجلس لوحده وقليل الكلام. جميع من يذهب إليه من أبناء عمي وأصدقائه وزوجي يثنون عليه بأخلاقه ودينه وكرمه مع العلم أنه ساكن لوحده بشقة وغير مدخن ومحافظ على الصلاة.
المشكلة يا دكتور إنه الآن له حوالي سنة مازار أهلي ولا جاء للمنطقة (القصيم) حتى بالأعياد. وقبل أسبوعين تزوج أخي الأصغر منه ولم يحضر الزواج مع العلم أن الوالدة حفظها الله قبل أن تخطب لأخي اتصلت به وقالت له نريد أن نخطب لك ولكنه رفض فقالت له إننا سنخطب لأخيك الأصغر، وفي يوم الزواج اتصلت به الوالدة للاستفسار عن سبب عدم حضوره المفاجئ فقال لها إنني لا أحب أن أواجه الناس!!.. ياليت يا دكتور تنصحني ماذا نفعل تجاه أخي، فأمي اشتد قلقها كثيراً عليه وكذلك أنا وإخواني؟.
- الأخت الفاضلة للأمانة فالمشكلة التي تعرضينها ليست من المشكلات التي يمكن فهم وتوضيح جميع أبعادها فقط من خلال ما ورد في رسالتك لكنني سأحاول جاهداً تسليط الضوء على أهم الجوانب التي يمكن أن تفسر سلوك أخيك الحالي، وهو سلوك متأصل كما يظهر وليس طارئاً أو عارضاً ويتركز بالتحديد في العزلة والانطواء وعدم الارتياح في المواقف الاجتماعية.
أحد أهم التفسيرات لذلك هو طبيعة الشخصية فهناك نمط من الشخصيات يدعى بالشخصية التجنبية Avoidant Personality وهذا النوع من الشخصيات يظهر توتراً وقلقاً واضحاً في المواقف الاجتماعية ولا يستطيع التواصل بارتياح مع الآخرين والسبب في ذلك يعود إلى شعور عميق لديهم بأن الآخرين لن يظهروا لهم قبولاً أو ارتياحاً بناء على الصورة السلبية المرسومة في أذهانهم عن أنفسهم، والعوامل التي تلعب دوراً في تشكيل هذه الشخصية كثيرة منها تجارب ومواقف الطفولة وهي بالغة الأهمية لذلك قد يكون للإصابة التي تعرض لها أخوك في طفولته دور في تعميق صورة سلبية له عن ذاته وقد يكون ما يزال بالفعل يشعر داخلياً أن الآخرين يراقبون طريقة حركته بأعينهم لكننا بالتأكيد لا يمكن أن نجزم بذلك ما لم يبح هو بنفسه ويصرح بما يدور في عقله، وإذا كان هذا هو الحال فعلاً فلن تكون العمليات الجراحية مهما بلغ عددها ودقتها كافية وحدها بل سيكون بحاجة إلى عملية نفسية داخلية إن صح التعبير لتغيير صورته السابقة عن ذاته وتهيئته لتجاوز المرحلة السابقة والتعامل بارتياح وتلقائية أكبر في المواقف الاجتماعية بعيداً عن المبالغة في مراقبة ذاته أو نظرات الآخرين له.
المزعج أكثر هنا أنه ولمدة سنة كاملة لم يقم بزيارتكم ولم يحضر زواج أخيك بحجة أنه لا يحب مواجهة الناس لذلك أرى أنه لا يجب تحميل والدتك وحدها عبء التواصل معه فهي على ما يبدو حاولت الترويح عنه قليلا عندما عرضت عليه الزواج قبل اخباره بنية تزويج أخيه الأصغر منه، ومع ذلك فربما أن أحد أسباب شعوره بعدم الرغبة في مواجهة الناس هو ما قد يعنيه زواج الأخ الأصغر من تعزيز للصورة السلبية لديه عن نفسه، ولذلك فهو بحاجة لانتفاضة عائلية حقيقية منكم خاصة إخوتك الرجال فهم أقدر الناس على تفهم أسباب ودوافع ميله إلى عزل نفسه عنكم وهم الأقدر أيضاً بعد الجلوس معه على تحديد ما إذا كان بحاجة لاستشارة مركز متخصص لدعمه نفسياً في المرحلة المقبلة وبناء ثقته وتقديره لنفسه بشكل أكبر وتدريبه شيئاً فشيئاً على كسر حاجز القلق الاجتماعي والتواصل بارتياح أكبر مع الآخرين خصوصاً وأنه مازال صغيراً في العمر وقادراً بإذن الله على تطوير مهاراته الاجتماعية بشكل كبير.
عموماً وفي ظل تعامله الجيد مع من يزوره واستقراره الوظيفي كما يبدو من رسالتك فليس هناك ما يدعو للقلق الشديد بإذن الله تعإلى.
إضاءة
تذكر أن الشخص الوحيد في العالم الذي يمكنك تغييره حقاً هو نفسك.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e - mail: mohd829@yahoo.com