رغم أن اتفاقية خروج القوات الأجنبية من العراق أو (الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية) قد طرحت على البرلمان العراقي وجرى مناقشة بنودها التي لا يعرف الشعب العراقي شيئاً عنها، وأن هذا البرلمان سيصوت اليوم عليها بعد تأجيل جلسة الأمس لضم وثيقة الإصلاحات لجلسة التصويت لإقناع المترددين.. إلا أن واقع الحال يقول إن الاتفاقية قد (مرّت) بعد أن فرضتها الحكومة العراقية التي صوتت بالإجماع سوى معارضة الوزيرة السنية في جبهة التوافق، وبما أن الكتل الحزبية والسياسية الممثلة في الحكومة يملكون أكثر من أغلبية الثلثين في البرلمان ولهذا فإن الاتفاقية وحسب قياس مستوى تمثيل المؤيدين لها (أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى والحزبان الكرديان) تعد مصادقا عليها ضمناً. رغم كل هذه الخلافات والمشادات التي شاهدناها في جلسات البرلمان العراقي.
أما لماذا كل هذه التجاذبات والخلافات؟!
يرد المتابعون للملف العراقي بالقول باستثناء التيار الصدري الذي لدى نوابه (أوامر) من (السيد) مقتدى الصدر ومن طهران بعرقلة تصديق الاتفاقية بكل السبل وإظهار المعارضة لها شعبياً وبرلمانيا حتى وإن لم يستطيعوا وقف التصديق عليها لبناء مواقف مستقبلية باستثناء هذا الموقف، فإن مؤيدي الاتفاقية قد أبلغوا (المستقلين والمترددين) عن عدم تأييد الاتفاقية سيؤدي إلى انسحاب فوري للقوات الأمريكية ويرافق هذا الانسحاب تعليق الملاحة الجوية أمام الطيران التجاري العراقي لمدة لا تقل عن نصف عام مع إغلاق المنافذ الحدودية ورفع الحماية عن أنابيب النفط، ورفع الحصانة عن الأموال العراقية في الخارج والمودع أكثرها في البنوك الأمريكية والتي تقدر بمليارات الدولارات، وهذا يعني رفع الغطاء تماماً عن (حكام العراق الجدد) بما فيهم كل المشاركين في العملية السياسية، الذين يدخل النواب في سياقهم.
وفي الجانب الآخر روج المعارضون للاتفاقية تهديدات طهران وأن المرجعيات الطائفية والعناصر المرتبطة بإيران تعتبر تأييد النواب لهذه الاتفاقية جرماً ومحرماً شرعاً، وأن إيران لن تعترف ب(السيادة المشبوهة) التي يقول مؤيدو الاتفاقية بأنها ستتحقق للعراق، ولذلك فإن (المالكي والطالباني وحتى نائبيه عادل عبدالمهدي من حزب المجلس الأعلى القريب من إيران وطارق الهاشمي من الحزب الإسلامي من جبهة التوافق السنية) يرون أنه يجب حشد تأييد كبير للاتفاقية لقطع الطريق على ما يقولونه (من فوضى سياسية) ستحل بالعراق، وإظهار دعم وطني لها من خلال البرلمان وإسكات من يتكلمون عن حدوث فراغ سياسي تسعى المقاومة العراقية، أو إيران إلى ملئه، كل حسب خططه وأجندته التي لا تخفى على أحد. ولكي يتحقق أكبر حشد مؤيد للاتفاقية من قبل المشاركين في العملية السياسية فقد عقد الرئيس طالباني ونائباه اجتماعات مع ممثلي كتل التوافق وجبهة الحوار السنيتين وحزب الفضيلة والمستقلين والقائمة العراقية الذين قدموا وثيقة طلبوا من الحكومة ومجلس الرئاسة الالتزام بها، خوفاً من الصلاحيات التي ستمنحها الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية لرئيس الحكومة العراقية والتي تجعل منه حاكماً مطلقاً، مما يعيد حكم الدكتاتورية للعراق، وتضمنت الوثيقة التي قدمها ممثلو الكتل السياسية المتحفظون على الاتفاقية عدة مطالب من أهمها:
1- الاستفتاء شعبياً على الاتفاقية الأمنية في شهر تموز - يوليو القادم بعد نصف عام من تنفيذها وبعد نشر بنودها ليعرفها الشعب.
2- إعادة كتابة الدستور لإلغاء أية عبارات تشير للحصحصة والإقصاء.
3- وقف تطبيق مادة اجتثاث البعث وإحالة الأمر للقضاء.
4- إطلاق سراح المعتقلين العراقيين في السجون الأمريكية وتقديم من تثبت إدانتهم إلى محاكم عراقية.
5- الإسراع في تطبيق المادة 141 الخاصة بوضع مدينة كركوك.
وهكذا فالنواب المحاصرون بالخوف من تفشي الفوضى في العراق وتسلط إيران والخشية من ترك الحماية الأمريكية لمن ساندو الاحتلال دفع البرلمان إلى إقرار الاتفاقية على طريقة (مكره أخاك لا بطل)...!!
وتبقى جلسة التصويت اليوم لإضفاء شرعية فرضت ب(الخوف)..!!
jaser@al-jazirah.com.sa