Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/11/2008 G Issue 13209
الخميس 29 ذو القعدة 1429   العدد  13209
المنشود
ثقافة الأمطار!!
رقية سليمان الهويريني

تقام صلاة الاستسقاء كل عام عدة مرات طلبا لنزول الغيث. وحين سقطت الأمطار هذا العام وأوشكت الأرض على الغرق هرع الناس للصحاري والأودية والسدود للاستمتاع بالمناظر الخلابة. وهي بلا شك متعة للناظر، إلا أنها خطر على المتهور الذي يدخل بتحدٍ مع طوفان المياه القاتل! حتى أصبح من المعتاد أن نرى في الصحف صور السيارات تغرق في الأودية ويطفو الناس فوقها ومن ثم تبدأ الاستغاثات وطلب النجدة من الدفاع المدني أو النشامى من المواطنين!!

ولعلكم سمعتم عن غرق شباب وبنات وأسر في أماكن الأمطار. ولو أن المطر انهمر على غفلة منهم لعدّوا ضحايا الطوفان، بل ويمكن أن تؤرخ السنوات بهم مثلما أُرخت (سنة الغرقة) حين داهمت السيول المنازل والمزارع. أما الآن فيبدو أن الإنسان هو الذي زاحم الأمطار في الأودية، حتى غضبت عليه، فباتت الحاجة ماسة لتسمية هذه السنة (سنة الشفاحة) نسبة إلى شفاحة الناس ومطاردتهم لأماكن تجمع الأمطار، وتعريض أنفسهم للخطر بهدف المتعة، وأي متعة في إلقاء النفس في التهلكة؟!

ومن طرائف التهور - إن كان للتهور طرائف - أن مواطنا ذهب للنزهة إلى منطقة رماح وكاد أن يغرق، فهبَّ أحد المواطنين وأولاده لنجدته، وهنا حضرت إحدى القنوات الفضائية لتصوير الحدث المثير. وبعد إنقاذه نشر إعلان مصور يشكر الرجل الذي أنقذه، ويروي القصة منذ تعرضه للغرق وحتى إنقاذه مع أسرته. وظهر المنقذ بصورة الشهم الشجاع؛ مما أعاد لنا صورة من أمجاد الماضي حين كانت شجاعة الأبدان هي المؤشر على النخوة والشهامة! وكان يكفيه شجاعة الرأي والفكر كي تمنعاه من الدخول في متاهة المطر، وغياهب الشعبان وتعريض نفسه وأسرته لمخاطر السيول.

وبرغم تنبيهات الدفاع المدني المتتالية وتحذيراته للناس من التهاون بدخول بطون الأودية والتنزه وقت الأمطار؛ إلا أن بعض الناس يقذفون بتلك التعليمات وسط الشعيب ويحسبون أنها بطولة وشجاعة بينما هي اندفاع وتهور!

ولقد أصبحت أخبار الغرقى وعمليات الإنقاذ والبحث عن المفقودين تملأ صحفنا ولم ينجو منها جاهل أو متعلم! وحين يغامر أحد المعلمين باختراق وادي الرمة بسيارته فكيف بطلابه في المدرسة ومجتمعه الذي ينتظر منه دورا كبيرا في نشر الوعي؟!

وهنا يلزم إفشاء ثقافة المطر حتى ولو كان شحيحا في حضوره وضنينا بزيارته، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل مخاطره برغم تلهفنا الدائم له، واستمتاعنا بزخاته! فليس أجمل من صوت المطر ورائحته وحضوره ومثوله، وليس أروع من ديمه وهتَّانه وخيوطه الذهبية وقوسه البديع، إنما بعد زوال الخطر وتوقف المطر، حيث يمكننا الاستمتاع بشكل الأرض بعد أن تروي منه ظمأها فلا نسابقها إليه ولا ننافسها عليه!!

دعوا الأرض تأخذ ما يكفيها ويرويها، وتدع لنا ما يسعدنا ولا يغرقنا!

دعوا المطر يعانق الجدب ليحيله إلى رياض خضراء تسر الناظرين وتمتع المتنزهين وتروي المراعي وتشبع المواشي.

دعونا نعيش أوقات المطر بأمن وسكون فلا نفجع بأنباء الغرقى والمفقودين!!

حكمة المنشود

نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب، فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور.

rogaia143@hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض 11342




لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6840 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد