كتب معالي الأستاذ محمد العلي أبا الخيل بجريدة الشرق الأوسط 12-11-1429هـ مقالا مميزا - كما هي عادة معاليه- في الأمور التي يتناولها عن وضع منطقتنا العربية، ومع أنه مُقلٌ في كتاباته إلا أن الجميع يحرص على متابعة ما يكتب وما يتطرق إليه ويتشوق إلى ذلك؛ لما له من خبرة وإدراك وتجربة غنية في المجال الاقتصادي والمالي والسياسي.
لقد كتبت عن نفس الموضوع بالذات من منطلق لغوي وسياسي بجريدة الجزيرة الغراء قبل سنوات حيث طالبت باعتماد كلمة العالم العربي بدلا من كلمة الشرق الأوسط؛ لأن الكلمة الأخيرة فيها نوع من التبعية وهي نتاج حقبة استعمارية بغيضة فرضت على الناس نمطا وأسماء قامت دول كثيرة بتغييرها خصوصا في إفريقيا وآسيا بعد انحسار الاستعمار الغربي وآثاره.
إن التسمية تشير إلى وجود شرق وسط وشرق أدنى وشرق أقصى أي هناك مرجعية يقاس منها موقع أي منطقة، ويحدد بناء عليها وبناء على قربه أو بعده منها؛ فما هي هذه المرجعية والأساس والمركز التي بني عليه الاسم..؟
بدون شك، هذا المركز هو بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس- كما يقال خلال حكمها في تلك المناطق واستعمارها لها- ومن بقايا ذلك الاستعمار هذه الأسماء التي التصقت بالذاكرة العربية والآسيوية، فلماذا نوافق على مثل هذه التسميات ونقبلها، خصوصا وفيها تجاوز وتدمير لخصائص شعوبنا وهي عربية مسلمة مركزها ومعيارها الأراضي المقدسة ومركزها المتوسط للعالم وليس لبريطانيا.
لقد ذكر معالي الأستاذ محمد أهمية الاسم وخصوصا في عصر التجمعات والتكتلات الاقتصادية والسياسية وأهميته لتنشيط الروابط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الدول العربية خصوصا والعالم العربي يحتل موقعا جغرافيا فريدا لم يستفد العرب منه، كما لم يستفيدوا من المزايا الأخرى التي حبانا الله بها. فالعالم العربي يحيط بأوروبا إحاطة السوار بالمعصم ولا تستطيع طائرة أو باخرة أو قطار أن يعبر من الغرب إلى الشرق بدون المرور في الممرات المائية التي تطل عليها الدول العربية أو المجال الجوي فوق الدول العربية؛ بالإضافة إلى المزايا الأخرى من أجواء معتدلة طوال العام وقرب من الشرق والغرب ورأس مال بشري وقوى عاملة شابة وقابلة للتدريب والتوظيف والإنتاج ووجود موارد طبيعية وإستراتيجية مثل البترول والغاز والزراعة والسياحة.
إن السعي إلى تقسيم الكتلة القومية للدول العربية إلى قسمين أو نوعين شرق أوسطي يمتد حتى أفغانستان وباكستان وقسم آخر يمتد على سواحل شمال إفريقيا هو سعي من أوروبا الموحدة والغرب عموما إلى فصم عرى الترابط والمودة والمصالح بين الدول العربية، على غرار المبدأ الاستعماري المعروف (فرِّق تسد) ولا بد للدول العربية وخصوصا منظمتها الأساسية جامعة الدول العربية من محاربة هذه المساعي الإعلامية والسياسية، وتأكيد التمسك بالمسمَّى العربي الأصيل لهذه المنطقة الذي يكرس وحدتها الجغرافية واللغوية والعربية وهو الاسم والمسمَّى الذي تربينا عليه كحلم لوطن واحد ومصير واحد ومركز حيوي واحد وقطب عالمي صاعد في عصر يشهد حاليا تغيرات كبيرة يمكن للعالم العربي أن يعرض وجوده ومكانته وتميزه الحضاري والإنساني والاقتصادي في خضمها.
لقد كان العالم العربي سباقا إلى التوحد والتكتل عندما تم إنشاء الجامعة العربية عام 1945م قبل أن تفكر الدول الأوربية في الاتحاد الذي شهد بدايته في معاهدة روما عام 1957م أي أن الجامعة العربية سبقت تلك المعاهدة بأكثر من 12 سنة ميلادية، وكان إنشاء الجامعة تحقيقا لهدف نبيل راود العرب كثيرا بعد خروجهم من حقبة الاستعمار الغربي وما قاسوه خلالها من ذل وتشرذم وتفرقة، وكانت المملكة سباقة في الانضمام لذلك الكيان الوليد الذي جسَّد سعي موحد الجزيرة الملك عبدالعزيز إلى توحد العرب تحت مظلة الجامعة العربية، وتنسجم مع طموحاته النبيلة وحلمه الكبير في جمع الشمل وتوحيد الصفوف والنفوس.
إنني أدعو من خلال جريدة الجزيرة الغراء إخواني الكتَّاب والمفكرين والإعلاميين إلى التركيز على الهوية العربية لهذه المنطقة، وإبراز ذلك والحرص عليه وعدم استعمال مسمَّى الشرق الأوسط الذي يكرس التبعية ويقوض من حلم الوحدة العربية ووحدة الوطن العربي الكبير بحضارته وتاريخه ومقدراته المادية والمعنوية الهائلة التي لم تستغل حتى الآن للأسف.
والله الموفق..
* عضو مجلس الشورى