Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/11/2008 G Issue 13209
الخميس 29 ذو القعدة 1429   العدد  13209
المرأة والأدب....
د. عبدالله بن سعد العبيد

لم يكن لظهور الروايات الأخيرة والمقالات الصحفية الأنثوية نوعاً من الضجيج فيما لو ظهرت في دول عربية أخرى، على أن هناك في تلك الدول حتى المتحررة إعلامياً ضجيجاً بارداً لا يكاد يسمع من روايات تخرج عن حدود اللباقة في السرد واستخدام المصطلحات التي لم تألفها آذان القارئ العربي.

خروج تلك الروايات في مجتمعاتنا صاحبها هالة إعلامية واجتماعية أشك في طبيعتها وأكاد أجزم أنها مصطنعة ربما للتسويق الإعلامي أو للتشويق الذي يسبق خروج العمل الفني أو الأدبي. لكن ما أثار دهشتي ولم أكن أود التطرق إليه عبارة أو مصطلح لم يستسيغه عقلي وهو ما يسمى بأدب المرأه.

هل هناك حقاً ما يسمى بأدب المرأه وأدب الرجل وأدب الطفل؟ إذا كنا نريد تصنيف الأدب بهذا الشكل فلما لا يكون هناك أيضا أدباً لذوي الاحتياجات الخاصة وأدب لكبار السن ومثله للمراهقين وأخر للموظفين ونسير خلف تصنيفات ثورية تصاحب الأعمال الفنية التي تخرج من تحت أيدي المبدعين.

لا اعرف سبب اهتمامي المفاجئ بهذا الموضوع كما لا اعرف سبب إصراري على متابعته وذلك لأنني كنت أمر على التصنيفات والمسميات التي ألصقت بالأدب مرور الكرام، دون إعطائه أي أهمية تذكر، خاصة تلك التي تتناول موضوع أدب المرأة والكتابة النسوية، من خلال المقابلات والدراسات والبحوث التي كنت اطلع عليها، فقد كنت اعتبر بأن في بعضها نوع من السفاهة الكلامية والبحث عن المفردات والعناوين التي تثير الفضول أو تملئ الصفحات وتكثر من الأسئلة والتساؤلات حوله لا أكثر، بعد إن فرغت جعبة المثقفين والنقاد والباحثين من إيجاد البدائل عن المواضيع المثيرة للاهتمام، لما تمر به الثقافة العربية من أزمة خانقة أثرت حتى في طريقة تداول ومعالجة ومناقشة هذه المواضيع.

هذا التراجع المخزي للأدب العربي أفقد العرب القدرة على التأثير في محور الأدب الرئيس، الأمر الذي جعلهم يهتمون بالتصنيفات التي لاغاية لها سوى ربما إثارة موضوعات فقيرة هشة لإبعاد الأعين عن الفشل الحقيقي الذي تعيشه الأمة من فراغ المحتوى الأدبي من مضمونه وعدم حمله لخطاب يعكس ماضي عريق وحاضر مليء بالتجارب ومستقبل غامض. هناك كثير مما كتب في تلك الموضوعات منها ما أصاب الهدف ووضع يده على الخلل والمراد، غصت في الكثير منها واستقيت بعضاً مما ذكر فيها لاستكمال بناء الموضوع الذي أثار ولايزال حفيظتي، لم أكن أتصور بأنني سأقع في الفخ واجد نفسي أسير حقيقة مذهلة عن أدب أنثوي كثيف ومهم يتجول عبر الفضاءات الواسعة وبسرعة البرق، على أن مرد اهتمامي الرئيس هو الصراحة البالغة وغير المسبوقة لكاتبات كثر إنتاجهن الأدبي وانتشر عبر المواقع الإلكترونية الخاصة أو المنتديات. ولعل مرد ذلك جملة من الأسباب إن أردنا فعلاً أن ننظر لظهور المرأه الأخير والمكثف إعلامياً منها محاولة سماع رأي الطرف الآخر بوضوح وصراحة شديدة لم نعتد على سماعه ورفع الشعور بالذنب عن الرجل اتجاهها بحرمانها من المنابر الإعلامية واتصالها بالجمهور دون حواجز أو قيود إلى جانب السماح للكثيرين منهن استعراض مواهبهن والوقوف على حقيقة مستواهن الأدبي والثقافي والبلاغي ورصد مقدرتهن على التأثير في الغير وحجم المناصرة أو الرفض من قبل القراء لطرحهن وآرائهن وكتاباتهن وفي أي مجال أو موضوع كان، وتعودهن على الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والمدنية اتجاه الغير بحكم استقلالهن في اتخاذ القرار في خوض هذه التجربة ومواجهة الجمهور بحرية كاملة ودون قيود وأخيرا لأن نتاج وفائدة هذه الممارسة الديمقراطية تعود إلى أم أو أخت أو زوجة لأي منا بلا شك.

من المفيد القول إنه لا يرجى في كتابات بعضهن وصراحتهن البالغة التي تصل حد الإسفاف والإباحية أي مغزى سوى الإثارة الرخيصة. وبان الخوض بكتابة الأدب الرفيع يستلزم مقدرة بلاغية فائقة وخيال خصب يساعد على إيصال ما نريد البوح به إلى الغير ومن ضمنه رسالة تربية وتأديب دون أن يؤدي ذلك إلى جرح لمشاعر الغير.

وبانت الجراءة والصراحة في تناول المواضيع الجنسية (وهي الغالبة عند الجيل الجديد من الكاتبات) (منهن من يتكلم عن أشياء لا يملكن أي تجربة أو ثقافة أو خبرة تذكر سوى سماعها من الغير ومنهن من خاض تجربة فاشلة واعتبرن إياها من المسلمات) لا يعطيهن النتيجة المطلوبة لأداء وإيصال رسالتهن إن وجدت. لأنها لا تعدو أن تكون أكثر من عرض لتجربة شخصية تشبه في بعضها تقارير وأحاديث مجالس، أو جلسة من جلسات العلاج في عيادة للطب النفسي. وبأن الكتابة في أي شيء وفي كل شيء سهل جداً. إلا أن الكتابة لنقل رسالة تخدم هدفاً أو غرضاً إنسانياً - وهو المطلوب - فإنه الامتحان الكبير والجدي لهن)

الأدب النسائي في الوطن العربي.؟.... أدب المرأة.؟....المرأة والأدب.؟.... الأدب النسوي.؟... المرأة في الأدب والقصة العربية؟

عناوين كثيرة وكبيرة قد تثير انتباه القارئ أكثر مما تحتويه من فكر وفائدة.

ولهذا أوقعتني هذه المهمة في الكتابة عن أدب المرأة أو الأدب النسائي في الوطن العربي في حيرة كبيرة والتباس في المدلولات والرموز حتى أنني وقفت عاجزا عن اختيار العنوان المناسب لها. خاصة بعد أن اطلعت على أكثر من مقالة ودراسة ورأي حولها. وكدت أن استسلم واترك الموضوع وشأنه، لأنني لم اعتد على الكتابة إلا بدافع الحاجة. وحاجتي كانت دائما وقبل كل شيء تتصل في العثور على الحقيقة، وتفسير الغامض منها، والفهم عبر الكتابة عنها. ولهذا تأتي كتاباتي مختلفة في صيغتها عما يطرحه الآخرون، لأنها لم تكن في أي حال من الأحوال إلا محاولة بريئة وصادقة في البحث عن جواب شفاف وصادق.

والسؤال الأساس والأول المطروح هو: هل يوجد حقا أدب نسائي؟ وبالتالي يفترض أن يكون هناك أدب رجالي بالمقابل؟ وما هي خصائصه وصفاته ومميزاته التي تدل عليه؟ أي بمعنى هل يكفي أن تكتب المرأة موضوعاً أدبياً حتى نصنفه بأنه أدب نسائي؟ أو تصنيفها ككاتبة أو أديبة نسوية.؟ وهل يصح ويكفي الكتابة في شؤون المرأة (على تنوعه) حتى نصفه بأنه عمل يتعلق بالأدب النسوي؟

أرجو ألا يكون كذلك وإلا تحتم علينا إنشاء نقابات وأندية خاصة بالأدب النسوي مع ما سيفضي إليه هذا التصنيف من ملحقات وتشعيبات وقوانين تميزه عن غيره وتضع له شروطه. وقد يؤدي في النهاية إلى ضم كل من كتب عن المرأة تحت لوائه حتى وإن كان رجلاً.

بحيث يعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر. والبحث عن مسميات جديدة له تحفظ خصوصية (أدب وكتابة وربما ثقافة المرأة كوحدة خاصة مميزة بمفردها).

ومن ثم ماذا سيكون موقفنا من الدراسات الاجتماعية والتاريخية والطبية والفلسفية والفنية وكل ما يمت للعلوم الأخرى - والتي لا تتصل بالأدب - بصلة؟ وتكتب فيها المرأة بحكم اختصاصها وموهبتها ومهنتها؟ وهل نصنفها تحت الكتابات العلمية التاريخية الفلسفية الفنية النسائية... أيضا؟ أم أن لها تصنيفات أخرى لا نعرفها؟

وهل إذا بدأنا على هذا المنوال ستصل الحال بنا إلى طب وسياسة وفلاحة وهندسة وفنون نسائية..إلخ.

أنا أتصور وبكل بساطة بأن هناك علم وأدب إنساني فقط، يشارك في بنائه وتطوره ونجاحه ذلك المخلوق الرائع الذكي الوحيد الذي استطاع أن ينتصر على كافة المخلوقات ألا وهو الإنسان. وبان الإنسان بتناوبه في ثوب الذكر أو الأنثى لا يعكس بأي حال من الأحوال إلا هموم جنسه وقد يتجاوزه بدافع روحي وأخلاقي وديني بحت إلى الاهتمام والحماية والدفاع عما يحيط به من خلائق سواء بيئية أو حيوانية لأنه يدرك بحسه الفطري بأنه ينتمي إليها بطريقة أو بأخرى.

وتصوري ذاك يقودني إلى الاعتقاد بعدم وجود جنسين من الأدب (أدب ذكوري أو أنثوي) وأن التسميات الحديثة التي التصقت بكتابات الأديبات العربيات (أدب المرأة، أدب نسوي، أو أدب نسائي..الخ.) لم تكن أكثر من صفات أطلقت على أعمالهن لمحاولة إظهاره والدلالة على وجود أديبات عربيات وأدب يكتبه ويبدع به مثقفات ومتعلمات وكاتبات من الوطن العربي لا أكثر.

ولهذا لا يصح إطلاقاً اعتماد تلك الصفات للدلالة على أدب مميز وخاص بعينه لأنها تفرغه من مضمونه وتجرد المرأة الكاتبة الخلاقة من حقوق تداولها للشأن العام (غير النسوي) خاصة إذا ما وضعت في حالة الند والمنافسة مع الرجل في مواضيع (نسوية) قد يكون الرجل فيها أكثر إبداعاً وقرباً في تصويره للحقيقة منها. فقد يقترب الذكر في وصف حالة ما من مشاعر الأنثى لدرجة أكثر جرأة وصدقاً مما يمكن أن تفعله هي ولأسباب تتعلق في الحفاظ على الحد الأدنى من أسرارها الأنثوية. وفي المقابل قد تقترب هي في طرحها وتناولها لموضوع اجتماعي أو سياسي أو عاطفي من عقل وخيال وحقيقة الذكر أكثر منه وذلك لأسباب تتعلق إلى إحجام هذا الأخير عن الإفصاح عنها لأسباب تتعلق بالعيب والسمعة والخوف من ربط الحدث بكاتبه.

وقد لا يصيب التوفيق أي منهما في الوصول إلى تمثيل ووصف مشاعر الطرف الآخر بحيث يقف كل منهما مذهولاً أمام الحقيقة إذا ما أنيط اللثام عنها.

إذا يقترب كل منهما من الصدق في وصف مشاعر وهموم الآخر بدرجة اقتراب أي منهما من صفات الآخر، فنجد عند الذكور من يتصف بدفء ورقة المشاعر ورهافة الإحساس وشدة التأثر والتعلق والإخلاص للعائلة والأطفال. كما نجد عند الإناث من يتصف بالخشونة في المعاشرة وحب المغامرة والخروج عما هو مألوف في طبيعتها ومعاملتها للغير.

وقد شهدنا مؤخراً هرولة البعض لترجمة كتاباتهن - عن غير وجه حق - إلى اللغات الأجنبية لأنهن يشتكين فيها من ظلم الرجل والزواج بالإكراه وحرمانهن من العمل...إلخ (وهو ما يثلج قلب الغرب ويفرحه لأسباب معروفة) وكلها مشكلات اجتماعية عامة للرجل فيها ما للمرأة من نصيب في القهر.

هذا بالإضافة إلى أنهن لا يضفن إلى الأدب العالمي أي جديد سوى قراءة أعمالهن وكأنه خبر في جريدة ووصف لحالة إنسانية متخلفة ومزرية دون إظهار أي بعد عاطفي أو إنساني أو أدبي لأعمالهن.

وهذا ما شجع المصنفين لهن ولأعمالهن على الإصرار بوجود أدب خاص بالمرأة حتى يحافظون على احتكارهم للأدب وملحقاته (الصحافة والإعلام ودور النشر) بصيغته الذكورية المعروفة.



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد