من أجمل ردات الفعل التي أعجبتني وأسعد بذكرها هنا موقف حدث لي حيث تلقيت اتصالا من قارئ كريم - كنت لا اعرفه وقتها - قال لي : هل أنت من البلد الفلاني؟ فقلت له: لست منه، ثم أردفه بسؤال ثانٍ : هل أنت من آل فلان ؟ فقلت لا، (هذا معنى والحوار وليس نصه) فما كان من هذا المتصل الكريم إلا أن قال لي وبشجاعة تستحق الاحترام: (حللني) فقلت له: الله يحللك ويبيحك، ثم أعاد طلبه هذا في إشارة منه إلى أنه وقع في وتحدث في أحد المجالس بما لا يرضيني بناءً على أني من البلد الفلاني أومن آل فلان.

لم يذكر هذا المتصل الكريم ماذا قال في، ولم أسأله ماذا قال عني لكني وبقناعة تامة تجاوزت هذا الموضوع، وزال كل ما في نفسي تجاه هذا الشخص مع أنه ليس في نفسي شيء لأني لم أكن أعرفه قبل هذا الاتصال، وهو الآن عضو دائم الحضور في ملتقيات الوراق ومناشطه الثقافية وصديق عزيز.

من أكثر المواقف التي تدعو للتأمل لدى بعض الناس حين ينسبك أحدهم - خطأً - إلى خلفية معينة ثقافية أو اجتماعية أو جغرافية، ثم يبني على ذلك أحكاماً عليك يعلم الله ثم من يعرفك أنك أبعد ما تكون عنها.

مع أن بريد الوراق كثير وكبير بحمد الله إلا أني أقف عند رسائل تعد على أصابع اليد الواحدة من هذه الشريحة التي تعطي تصورات مبنية على غير واقع، ومن ثم تصدر الأحكام عليك بما هو غير موجود فيك أو ما أنت براء منه.

يقول أحدهم إن التركيز على أنك من البلد الفلاني لأنك منه، ثم حين تتضح الأمور أكون لا أعرف هذا البلد ولا لي ناقة فيه ولا جمل سوى أنه من وطني، وآخر يرى أنك نشرت الموضوع الفلاني لاعتبارات اجتماعية ولم تنشر الموضوع الفلاني لاعتبارات أخرى، وهذا نقد طبيعي أن يوجه للمحرر.

لكن أرجو من القارئ الكريم أن يصدق أنه من المستحيل أن يتم هذا من محرر يحترم قارئه ولأن بقاء المحرر في موقعه مرتبط بكتابات وتعاون كل شرائح المجتمع معه.

ومن مراجعات القراء التي تستحق أن تعاد النظر اتهام المحرر بأنه انتقائي في نشر وثائق القراء التي تخص أسرهم وبلدانهم، وهنا فليسمح لي القارئ الكريم أن أقول له إن نشر الوثائق هو أخطر ما يمر على المحرر ويحرجه فالوثيقة لها عشرات الاستخدامات التي قد تغيب عن المحرر وعن الكثير من الناس وقد لا يعرف مضامين بعض الوثائق سوى فئة قليلة من الناس وبعد نشرها يتضح أن هذه الوثيقة المسالمة والوادعة تحمل لقبا لأسرة أو نقداً لأهل بلدة، وقد تكون هذه الوثيقة نشرت لهذا السبب فقط دون النظر إلى موضوعها الرئيس والذي قد يكون تقليدياً.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يرى البعض أنه أرسل لك نصاً أو مقالاً أو وثيقة وهي لم تصلك ولم يقم هذا الكاتب بدوره الطبيعي في متابعة مشاركته حتى تصل إلى القراء.

ومن الأمور التي يستحيل على المحرر القيام بها إجازة مادة لا يمكن نشرها، أو نشر مادة لا يمكن إجازتها. هذه بعض من هموم المحررين مع قرائهم من حقهم أن يعرفوها حتى يكون الكاتب والباحث على علم بتفاصيل من المهم أن تساعده في الحكم الموضوعي على المحرر مع أن النسبة العظمى من القراء هم من الواعين الداعمين للمشهد الثقافي في هذه الصحيفة العزيزة.