من البديهي أن نعرف جميعاً مقدار ما جناه أرباب الإرهاب والفكر الضال علينا جميعاً كمواطنين ومقيمين وكمجتمع ووطن من نشر للقتل والفساد والدمار. وعندما نحاكم أهل الفكر والإرهاب فهذا بأبسط المعاني النظامية إنما نحق الحق ونقطع دابر الفساد وليكون هذا الإرهاب عبرة لغيره. لاشك أن هذه البلاد المباركة قامت ومنذ تأسيسها على يد المؤسس - طيب الله ثراه - على مبدأ العدالة والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات. وعندما يعتدي إرهابي على مقدساتنا ومقدراتنا فهذه قمة الإجرام الحسي والمعنوي والفكري.
لاشك أن ديننا العظيم وشريعة رب العالمين قد حفظت للإنسان أسس حياته وحفظت حقوقه من حفظ لحياة الإنسان ودينه وماله وعرضه ونسبه وللأسف فلقد دمر الإرهاب والفكر الضال وداسوا بأقدامهم النجسة كل حقوق للإنسان. أين حقوق الإنسان عندما يقتل الأبرياء بدم بارد غدراً وخيانة وظلم. وأين حقوق الإنسان عندما تدمر اقتصاديات الوطن، وأين حقوق الإنسان عندما يلعب أرباب الإرهاب بعقول عدد من الناشئة ليحولوهم من بناة لهذا الوطن الكريم فيتحولوا بفعل الإرهاب وفكره لقنابل موقوتة مستعرة تدمر كل شيء أتت عليه. أين حقوق الإنسان عندما يقتل الأطفال الأبرياء مثل الطفلة وجدان في الرياض التي قتلت بآلة الإرهاب الفاسد المفسد. والطفل رامي الذي قتل في الخبر بأكثر من 20 رصاصة. هل هؤلاء الأطفال يمثلون خطراً على الإرهاب، أين حقوق الإنسان من هؤلاء الأطفال، أين حقوق الإنسان عندما تمتهن كرامة الإنسان ويداس على قيمته وتمرغ مبادئه التي قطع فيها أرباب الإرهاب أشواطاً كبيرة بزرع الرعب والفساد والدمار على المستوى الشخصي والمجتمعي والوطني.
أين حقوق الإنسان عندما تطال نجاسة وخبث الإرهاب اقتصاد ولقمة عيش المواطن والذي يريد ويسعى للاكتفاء والعيش وبعزة نفس وبرأس مرفوعة في وطنه ثم يحاول أرباب الإرهاب تدمير اقتصاديات الوطن والمواطن بمحاولة تدمير مصفاة ابقيق للنفط. أين حقوق الإنسان وعدد من الضيوف عندنا من المقيمين الذين لم يحضروا لهذه البلاد إلا بدعوة من أهلها وبذمة وحماية ولاة أمرها تغربوا عن أهليهم وأوطانهم ليساعدوا في التنمية الشاملة التي يعيشها وطننا ثم يتربص بهم أوغاد وأنجاس الإرهاب في الزوايا المظلمة أين حقوق الإنسان لهؤلاء؟
اذن هنا نعترف أن هذه المحاكمات العادلة وإحضار أرباب الإرهاب للقاء الشرع المطهر هو إحقاق لحقوق الإنسان فحق الإنسان ليس فقط للإرهابي ولكن حق الإنسان أكثر حقاً للأبرياء من الضحايا الذين قضوا والذين جرحوا والذين أرهبوا والدمار والخراب والخسائر التي تراكمت بسبب هذا الإجرام الشنيع. ولكن السؤال الكبير هل سنحاكم الفكر أم السلوك. لا يخفى على الجميع أن الجريمة سلوك وهنا نحن نحاكم سلوكاً إرهابياً خبيثاً ولكن في حالة الإرهاب هناك عامل آخر يضاف لعامل السلوك ألا وهو الدينمو المحرك والعقل المشغل للسلوك ألا وهو الفكر الإرهابي الضال.
فهل سنحاكم ذلك الفكر مع السلوك أم لا؟ لا أشك شخصياً أن عددا من أرباب الإرهاب والفكر الموقوفين الآن لم يصدر منهم سلوك إرهابي ولكن لديهم الفكر الإرهابي مثل تكفير المجتمعات واقتناص الفرص المواتية للسلوك الإرهابي ونشر الفكر الضال والدفع بالصغار لأماكن القلاقل والفتن فكيف سنحاكم الفكر.
الفكر الإرهابي بلاشك يماثل في خطورته السلوك الإرهابي وهذا الفكر ما هو إلا نقطة تحول ومحطة انتظار لأول فرصة تبدو في الأفق لانتهازها لمزيد من القتل والفزع والدمار.
يجب أن نعرف أن الإرهاب يختلف كثيراً عن الجرائم التقليدية كالقتل والسرقة والمخدرات ذلكم أن الإرهابي لا يعرف الضحية ولا يهمه من تكون والهدف القتل للقتل والدمار وجزء كبير من المعادلة هو استخدام العنف والقتل والدمار لهدف الإعلان والترويج للفكر الضال لذلك فالإرهاب أكثر خطورة من الجرائم التقليدية كالقتل والمخدرات وما تأخر محاكمة أرباب الإرهاب والفكر إلا لذلك السبب حيث إن الإرهاب هو جريمة منظمة مرتبطة بخلايا إجرامية متشابكة المصالح والأهداف ولذلك من الصعب محاكمة جزء قبل القبض على باقي الأجزاء ولما اكتملت الصورة وسقطت أوراق الإرهاب الخبيثة بين قتيل وأسير هنا تحقق أحد الأهداف الأمنية وهو محاكمة الإرهاب.
لقد أشاع الإرهاب جواً قاتماً أسود مكفهراً على هذا المجتمع الكريم الذي لم يعرف هذه الجرائم المنظمة والخلايا النائمة وكإثبات بأن جرائم الإرهاب أشد خطورة من الجرائم التقليدية كالقتل والمخدرات فبالنظر لآثار الإرهاب في مجتمعنا المحلي: فلقد نفذ أرباب الإرهاب ما لا يقل عن 30 عملية ارهابية وأحبطت أكثر من 160 عملية استهدفت المواطن والوطن ومقدراتنا ولقمة عيشنا. لقد استشهد 74 من رجال أمننا وأسود وطننا بفعل أرباب الإرهاب وأصيب 657 رجل أمن وقتل 90 مدنياً وأصيب 439 مواطناً. لقد تم ضبط ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة و25 طنا من الخلائط المدمرة والصواريخ وسم الساينايد القاتل الصامت السريع على امتداد خمس سنوات منذ بداية الإرهاب في 12-5-2003م هؤلاء الإرهابيون الذي ستتم محاكمتهم يشكلون 70 خلية متشابكة المصالح والعلاقات وبعض هؤلاء الإرهابيين شارك في أكثر من عملية إرهابية حتى أن أحدهم شارك في 17 عملية إرهابية. لقد خسر وطننا جراء هذه العمليات أكثر من مليار ريال.
لاشك أن إحالة هؤلاء الإرهابيين للقضاء الذي سيقول كلمته فيهم هو شهادة عدالة واستقلال للقضاء في المملكة العربية السعودية فهذه المحاكمات سوف بلاشك تعطي زخماً إعلامياً واسعاً للمملكة بأنها لم تعمل كما عمله عدد كبير من دول العالم في أنها أنهت الإرهاب وأهله وأخفتهم عن الوجود حتى أن واحدة من أكبر ديمقراطيات العالم أبادت حياً سكنياً كاملاً بكل من فيه وقتل العشرات من الأطفال بسبب أن عددا من الإرهابيين يتحصنون داخل إحدى البنايات ودولة أخرى أبادت قرية كاملة بكل سكانها لوجود إرهابيين مختبئين فيها. وعندنا حتى الإرهابي وان كان مدمراً وحتى إن كان مجرماً وقاتلاً بكل ما تعنيه الكلمة فبلاد الحرمين الشريفين ومنطلق رسالة الإسلام ومهبط الوحي وموقع العدالة والقسط لا تسمح لنفسها بأن يظلم إنسان وحتى لو كان إرهابياً يريد تدميرنا وتدمير وطننا وهذه قمة المثالية والرقي في هذا الوطن الكريم.
وهذه المحاكمات توجه رسالة واضحة لكل شاب فكر في دخول هذا المستنقع الفاسد النتن بأن هذا سيكون جزاءه.
والمحاكمات ما هي إلا ببساطة تعرية للفكر الضال وانتصار للعدالة في بلد العدالة ورسالة للعالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية تعامل الجميع حتى وان كانوا إرهابيين مفسدين ومجرمين بعدالة وتحكم القضاء الشرعي الحنيف. ويجب فعلاً أن يحاكم كل من تربى في هذا الوطن وتعلم فيه وأكل من خيراته وفجأة انقلب وخان وطنه وأفسد ودمر وقتل وفجر.
وهنا كذلك يتذكر أرباب الإرهاب وبحرقة ويعض الإرهابي أصابع الندم على الفرصة التي منحه إياها ولي أمرنا - حفظه الله ورعاه - عندما أعطاهم الأمان والعفو لمن يسلم نفسه وقد ضيعوا تلك الفرصة فالكلمة الحق اليوم للشرع الحنيف ليعطي كلمته النهائية بهم.
وهنا لابد أن نعرف أننا وبهذه المحاكمات لا نحاكم الإرهابي القاتل المفجر والمدمر فقط ولكننا يجب أن نحاكم الفكر الإرهابي الذي يقدم فكراً يسوغ ويسوق للإرهاب وكذلك نحاكم المخطط الإرهابي الذي يخطط أين أفضل المواقع والوقائع للتنفيذ ونحاكم كذلك الممول الإرهابي الذي يدفع فاتورة السلاح والعتاد الذي استخدم للقتل والتدمير والإفساد ونحاكم كذلك المتعاطف والذي يكتب في المواقع الإلكترونية ويمجد ويرفع من شأن الإرهاب ونحاكم كذلك المحرض وهو الذي يدفع بالشباب الصغار للموت باسم الشهادة والحور العين عندما ينحر ذلك الشاب نفسه ويدمر في وطنه أو في البلدان المجاورة. إذاً هنا في محاكمة الإرهاب يجب أن نحاكم السلوك الإرهابي والفكر الإرهابي معاً وكما ذكر فالفكر الإرهابي الضال هو بكل تأكيد وحقيقة أخطر من السلوك الإرهابي ولكن كيف لنا أن نحاكم الفكر. والحل لي كمتخصص في الإرهاب والفكر في أن يمر كل موقوف على لجنتين من الموثوقين والمتخصصين ثم يعمل له دراسة حالة علمية موثوقة وتدرس هذه الملفات من قبل الجهات الأمنية وترفع تقريراً مفصلاً للمحكمة الشرعية. للأسف قد يكون بعض القضاة غير متخصص في قضايا الفكر الضال ودهاليزه وخفاياه وهنا أرى أنه لا مانع من الاستعانة بعدد من المتخصصين في هذا المجال لرفع تقرير مفصل عن كل حالة فكرية تعرض على فضيلة القاضي ليطلع عليها عند محاكمة الشخص نفسه.
محاكمات الإرهاب هي نقطة بيضاء مشرقة في مسيرتنا الوطنية في المملكة العربية السعودية ذلكم بأنها تبين أن وطننا لا يدعم الإرهاب وهاهم أرباب الإرهاب أمام محاكم الشرع وهاهي المملكة اليوم تدفع بأكثر من 990 شخصاً لمحاكم الإرهاب ليأخذ كلاً منهم جزاءه العادل والمستحق على مااقترفته يداه وفكره. ووطننا لم يقل أو يدعي كما تفعل بعض الدول أن ليس لدينا إرهابيين مخربين بل أعلنها ولي الأمر واضحة جلية وما هذه المحاكمات إلا علامة للعدالة والرقي الذي تتسم به سياسة المملكة. وأيضاً المملكة أعلنت أن هؤلاء الإرهابيين منهم وللأسف مواطنون سعوديون ومقيمون أتوا لبلادنا لطلب الرزق ثم انحرف فكرهم وسلوكهم وعضوا اليد التي أحسنت إليهم وعقوا الأرض التي أطعمتهم وأفسدوا بالوطن الذي احتضنهم. فهذه المحاكمات في المملكة هي محاكمة للإرهاب في العالم حيث يحاكم السعودي وغير السعودي وهذا يثبت أن بلد التوحيد ومبعث الرسالة يحاكم الإرهاب نيابة عن العالم كله وأن صاحب الفكر الضال لا يهم أين منشأه ووطنه بقدر ما يهم فكره وسلوكه المدمر.
وأخيراً هذه المحاكمات الشرعية هي نقطة مضيئة ومشرقة للعدالة في المملكة فهؤلاء وأن أتى الكثير منهم بفكر تكفيري متطرف ولكنهم يمثلون أمام جهة دينية شرعية قضائية مستقلة تنظر لأعمالهم وفكرهم وتحاكمهم عليها. وهنا الرقي في التعامل فلم يدفنوا أحياء ولم يقتلوا في غياهب السجون ولم تأكلهم الوحوش ولم ينسوا من التاريخ ولا تقتل أسرهم ولم تسجن بل العكس أمر ولي أمرنا حفظه الله ورعاه بأن تدرس حالتهم ويساعد من يحتاج للمساعدة منهم ووضعت لهم ميزانيات خاصة وهذا بحد ذاته قمة الرقي والإحسان في هذا الوطن الكريم.