Al Jazirah NewsPaper Sunday  23/11/2008 G Issue 13205
الأحد 25 ذو القعدة 1429   العدد  13205
عائد من اليمن (3)
(تعز).. كابنتها الرائعة (يمن)..!
عبدالله مناع

كانت رغبتي في الانتقال (براً) وليس (جواً) من صنعاء إلى (عدن).. محسومة تماماً، فقد أردت أن أرى المدن الصغيرة والقرى والطرقات والبيوت والمزارع، وأخالط الناس في المقاهي والاستراحات التي لابد وأن تكون موجودة بصورة أو بأخرى على تلك الطرقات..

وبقدر ما تسمح به الظروف، لكن الأستاذ محمد شاهر.. قدم لي على الهاتف، وبصوت لمحت فيه شيئاً من الإشفاق عليَّ من طول الطريق ومشقته، اقتراحاً موازياً ب(التوقف) في مدينة (تعز) وهي على الطريق.. للمبيت بها ليلة، ثم أواصل بعد ظهر اليوم التالي.. إلى (عدن) فقبلت مرحباً.. دون ما حاجة إلى إغراءات مرافقي الأستاذ وليد الريمي، الذي أخبرني بأن (سعادة الوكيل) قد حجز لي بأفخم وأحدث فنادق (تعز) وأجملها موقعاً على الإطلاق.. هو (فندق سوفوفتيل) الذي تديره إحدى الشركات الفرنسية.. لقضاء تلك الليلة، والحقيقة أنني لم أكن بحاجة إلى أي إغراء إضافي ومن أي نوع، فقد عرفت (تعز) منذ زيارتي الأولى لليمن، وتعرفت على مكانتها العزيزة - كاسمها - عند كل اليمنيين.. فهي مدينة التاريخ والآثار والحيوية، وهي مدينة العمل والمبادرات والرخاء.. وهي مدينة العمارة اليمنية المعجزة فوق منحدرات جبالها وأعالي قممها، وهي قبل وبعد ذلك كله عاصمة الثقافة والمثقفين التي لم أكن أعلم آنذاك.. بأنها ستحتضن معظم اللقاءات السياسية والثقافية - إن لم يكن جميعها - التي ستجرى في مشوار الوحدة اليمنية، وإلى أن تم الإعلان عنها في مايو من عام 1990م في (تعز)، ثم في عاصمتي دولة الوحدة (صنعاء) و(عدن) وأحسب لذلك كله.. كانت احتفالاتها بالذكرى الثامنة عشرة للوحدة في شهر مايو الماضي.. كما لو أنها الأبرز والأكثر حميمية بين احتفالات المدن اليمنية جيمعها، وقد أحسن المجلس المحلي لمحافظة (تعز).. أن قدم سجلاً توثيقياً وافياً بالأرقام والتواريخ والصور الفوتوغرافية الملونة لكل ما جرى في تلك الاحتفالات، ولكل الأحداث التي عاشتها المحافظة.. خلال الثماني عشرة عاماً الماضية، وقد تولت رعاية هذا (السجل) وطباعته (شركات سعيد هائل أنعم) ذات البعد الاجتماعي والثقافي الأبرز في تعز.. وفي غيرها، وقدم له محافظها المنتخب الأستاذ (صادق أمين أبو راس) ليراه أبناء اليمن وزواره والقادمون إليه، وكان لطفاً من مرافقي.. أن خصني بنسخة منه، استلفت انتباهي في مقدمتهان استشهاد (المحافظ) في ختامها بقول الشاعر اليمني:

(هذه الأرض التي رحنا على صهوات العز فيها وأتينا

وملكنا فوقها أقدارنا

ونواصيها.. فشئنا وأبينا

أبداً لن تنتهي فيها انتصاراتنا إلا إذا نحن انتهينا)

***

مع مغادرتنا (صنعاء) كانت دورها ومنازلها تختفي خلفنا شيئاً فشيئاً.. لتمتد الطريق أمامنا إلى (تعز) سهلة في كيلو متراتها الأولى.. آخذة في ارتفاع متسارع، متصاعد فوق صخور جبال متصلة كأنه لا نهاية لها.. سرعان ما حملتنا إلى أكتافها الشاهقة، وإلى يميننا بدت المدرجات الجبلية الرائعة التي مازلت أذكر خضرتها اليانعة إلا أنها هذه المرة.. غدت على شيء من الاصفرار، فقد بدأ الخريف، وهذه نسائم (نوفمبر) الباردة تذكرنا به وبمقدمه.. كلما فتحنا النافذة لتغيير هواء مقصورة السيارة أو (كبينتها).

كانت الطريق فوق تلك الجبال.. ناعمة مريحة.. ولكنها ضيقة لاحتوائها مساري الذهاب والإياب معاً، وهو أمر يقلق ركاب المركبة.. ربما بأكثر من قائدها الخمسيني المحترف و(الحريف) (العم حمود)، الذي كان موسوعة جغرافية تاريخية بحق.. كثيراً ما ركنت إليه واستعنت به في معرفة ما حولي، فهو يعرف معظم طرق مدن الجمهورية إن لم يكن جميعها.. بل والمدن نفسها وما فيها، وهو متابع للتاريخ اليمني السياسي المعاصر بصفة خاصة.. والعربي بصفة عامة.. شأنه في ذلك شأن الكثيرين من اليمنيين، وقد أقام بالمملكة لسنوات، وعمل في (جدة)، فلم ينس تلك الأيام ولا أولئك الذين عاشرهم، كما لم ينس محاولة تسليتنا وقد أدرك بفطنته إحساسنا بطول الطريق.. بفضل التزامه المرهق والمحمود بمعدل السرعة المسموح بها، والذي لم يكن لزيد عن ستين إلى سبعين كيلاً في الساعة، وقد زاد من إحساسنا بطول الطريق توقفنا في مدينة (ذمار) - عاصمة محافظة ذمار - للبحث عن (صرَّاف) أغيِّر لديه عملتي السعودية بأخرى يمنية.

على أية حال.. تمثلت تسلية (العم حمود) لنا بوضع (شريط) أو استبداله بآخر لمطربه اليمني المفضل: الفنان (أيوب طارش)، وهو ما جعلني ومرافقي نجأر بالاحتجاج طلباً للتغيير.. وهو ما لم يتحقق نظراً لعدم وجود شرائط أخرى لديه لغير فنانه المفضل، الأمر الذي حرمني شخصياً من الاستماع إلى فنان اليمن الكبير ومطرب وطنياته الرائع: الأستاذ محمد مرشد ناجي.. وقد كنت أمني النفس بسماع شيء من أعماله التي عرفتها وأحببتها

وهكذا.. مضينا على الطريق، بذات السرعة التي حملتني لأكثر من مرة على التساؤل عن الأسباب التي منعت قيام توسعة عاجلة للطريق، بآخر موازٍ له؟ ليكون أحدهما للذهاب والآخر للإياب، ولكن دون أن أسأل، تفادياً لأي حرج محتمل، ليشير (مرافقي) بلطف.. إلى أعمال التوسعة (التي كنا نشاهدها معاً طوال سيرنا)، والتي كانت تجري في المناطق المنبسطة من الطريق وليس في المناطق الجبلية المكلفة إلا عند بعض المنعطفات والزوايا الحادة من الطريق.. وكأنه أراد أن يقول لي - دون أن يتكلم -: بأن الحاجة إلى توسعة الطريق معروفة ومدركة، وقد تكون مبرمجة.. ولكن المسألة محكومة بالإمكانات وبالأولويات!! لنقف.. مع غروب الشمس في مدينة (إب) وقد أصبحنا على بعد أربعين أو خمسين كيلاً من (تعز).. لنأخذ فنجاناً من الشاي ولأرى الناس الذين أبحث عن رؤيتهم، وقد أشبعتني تلك الدقائق العشر أو الخمس عشرة: فصاحب الاستراحة.. يمني، وصاحب البقالة التي أخذت حيزاً هندسياً جميلاً من الاستراحة.. يمني، والذي يجلس خلف (البطة) كما نقول بعاميتنا.. يمني، والنادل.. يمني، والزبائن.. يمنيون، وتلك هي ميزة اليمن واليمنيين.. الواعدة إذا حاذروا من امتداد يد النفط إليهم برخائها المرغوب و(رخاوتها) البغيضة!!

عندما وصلنا إلى مدخل مدينة (تعز).. كانت أنوارها تسبقها، وحركة سير السيارات.. وزحامها، ولافتات محلاتها المضاءة.. وبناياتها الشامخة على منحدرات جبالها ومرتفعاتها الكثيرة.. تقول لنا كما قال عنها الرحالة المغربي العربي (محمد بن عبدالله اللواتي).. الشهير ب(ابن بطوطة) عندما زارها عام 721ه (إنها من أحسن المدن اليمنية وأعظمها).

لقد أدركت بعد أن أخذت مقعدي في بهو فندق (السوفوتيل) الرائع حقاً ببنائه.. والأروع ب(موقعه) الشاهق فوق قمة أحد جبال تعز المطلة على المدينة كلها وهي تنام على صدر وسفح جبلها الأشهر (جبل صِبْر) والنادل اليمني يقدم لي أول فنجان قهوة.. كم كان اقتراح الأستاذ محمد شاهر بالمبيت ليلة في (تعز): موضوعياً وعملياً، إذ كان عسير علينا حقاً.. أن نواصل سيرنا براً إلى (عدن)، رغم أن المسافة التي قطعناها من صنعاء إلى تعز.. خلال أربع ساعات ونيف لم تزد عن مائتين وأربعة وخمسين كيلاً.. لكن لحظات الراحة الأولى في (تعز) كان ينغص عليها توالي أخبار تدفق الأمطار بغزارة غير معهودة على كل من (المهرة) و(المكلا) - عاصمة محافظة حضرموت - في الجنوب والجنوبي الشرقي من اليمن، وقد صحبتها سيول جارفة من الجبال والمنحدرات المحيطة بالمدينتين.. لم تعهدهما من قبل، لأتعجل جلستي الهانئة.. وأغادرها إلى غرفتي، كي أتسمر أمام (التلفزيون).. لمتابعة المشاهد الأولى لتلك الأمطار والسيول المرعبة، التي أحسن التلفزيون اليمني في نقلها أولاً بأول عبر قناتيه الأرضية والفضائية.. بينما كان الأستاذ الشاهر يطمئن على سلامة وصولي عبر (الجوال) لأرد عليه شاكراً له استفساره الكريم.. ومن قبل نصيحته الذهبية بالمبيت في (تعز).

***

عندما استيقظت مبكراً، بعد أن أخذت كفايتي من النوم.. مقدراً أنني سوف لا أعود إليه إلا بعد ساعات طوال، سارعت إلى نافذة غرفتي بالدور الثالث من الفندق.. لأرى المدينة، وأتعرف على ملامحها من هذا الارتفاع الشاهق، والجامع لأطراف صورتها.. فهالني بقدر ما أسعدني أن رأيت في مواجهتي مباشرة جبلها الأضخم ارتفاعاً، والأعرض اتساعاً (جبل صِبْر).. بزحمة مبانيه، وقلاعه، وقصوره التي بنيت في أعالي قممه.. بصورة يحار المرء معها في كيفية بنائها في أزمان لم تعرف فيه الرافعات و(الأوناش) وقد انبسط أمامه وادي تعز أو (وادي الضباب).. الذي لم يكن هو الآخر خالياً من المرتفعات والجبال الصغيرة.. بينما غطت الوادي بجباله ومرتفعاته مباني المدينة وشوارعها وميادينها، ومراكزها ومدارسها وجامعتها الحديثة.. (جامعة تعز)، وجامعها الأحدث (جامع السعيد).. الفاخر بهندسته وبنائه وقبابه الأربع عشرة ومآذنه الأربع.. إلى جانب جوامعها الأثرية القديمة التي يسطع في مقدمتها تاريخياً (جامع سعد بن أبي جبل)، الذي أوفده الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن في السنة السادسة بعد الهجرة: إماماً وقاضياً، ليقول عند الفاروق عمر.. إبان خلافته (لولا معاذ.. لهلك عمر)..!

لقد كان خلف (الصورة) التي أراها من غرفتي بالفندق.. صفحات من تاريخ طويل لهذه المدينة العريقة، فقد كانت (عاصمة) في العهد الأيوبي (569هـ)، وفي عهد الدولة الرسولية (626هـ)، وفي السنوات الأخيرة من حكم آخر الأئمة (أحمد حميد الدين).. وهو ما يفسر كثرة أعداد القلاع والحصون والقصور التي اجتمعت فيها، وهي اليوم ثالثة مدن الجمهورية وعاصمة ثقافتها.. وأكبر محافظاتها مساحة وسكاناً، إذ تبلغ مساحتها عشرة آلاف كيلاً مربعاً وعدد سكانها مليونان ونصف المليون، وهي الأجمل مناخاً ومحافظة بين مدن اليمن ومحافظاته.. فهي ترتفع إجمالاً عن سطح البحر بألف متر.. بينما يرتفع جبلها الأشهر بألف وخمسمائة متر أخرى!!

عدت بعد هذه الوقفة.. إلى مقعدي، لأتابع أخبار الأمطار والسيول التي أغرقت (المكلا) و(المهرة) ففاجأتني صورة ما كان يحدث طوال الليل، عندما رأيت نفسي وكأنني أمام (سونامي) جديد في الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية!! إلا أن الأخبار التي كانت تلاحق ما كان يجري بصورة ملهوفة.. أفادت بأن القيادات اليمنية كلها: رئيساً وحكومة ونواباً ومحافظين.. إما وصلت إلى منطقة الكارثة أو في طريقها إليها، للتدبر.. في أمر مواجهتها، ليرن الهاتف بعد دقائق وليقول لي الأخ وليد.. بأنه تلقى اتصالات تفيد باعتذار (محافظ تعز) و(رئيس تحرير جريدة الجمهورية) التي تصدر من تعز.. عن موعدي معهما، ولقائي بهما.. لأنهما توجها إلى منطقة الكارثة بحكم الظروف، فلم أنزعج.. فقد كان الاعتذار يوحي بحالة استنفار محمودة ومطلوبة لمواجهة كارثة طبيعية من هذا الوزن الثقيل، لأتمنى لهما التوفيق.. ولأخطط مع الأخ وليد برنامجاً سياحياً يمكنني من أن أرى كل ما يتاح لي أن أراه من مدينة تعز.. الخلابة.

***

كان طبيعياً أن نتوجه (ثلاثتنا) إلى (جبل صبر).. لأراه، فهو ليس جبلاً شاهقاً بارتفاعه الذي يبلغ ألف وسبعمائة متر عن سطح الأرض، وبعرضه الذي يحتضن (تعز) كلها.. ولكنه وكأنه مدينة كاملة بموجوداتها وقلاعها وحصونها وآثارها ومنازلها وينابيعها وثمارها وسكانها الذين يبلغ تعدادهم ستمائة ألف مواطن، وطريقها الرئيسة.. التي تأخذك من سفحه إلى أعلى قمة فيه بطول سبعة وثلاثين كيلاً، والذي قال لي مندوب جريدة الثورة الأستاذ زياد.. وقد خف مشكوراً لاستقبالنا ومرافقتنا: إن الأمير سلطان بن عبدالعزيز.. هو صاحب الفضل في إنشاء هذه الطريق وبنائها بعد أول زيارة قام بها إلى (تعز) وإلى جبلها الأشهر.. أيام الزعيم - المأسوف عليه - المقدم إبراهيم الحمدي. لقد أبهجني أخي الأستاذ زياد.. بهذه المعلومة، لأستحث (العم حمود) لزيارة القلعتين اللتين نصحنا بزيارتهما من الجميع: (قلعة المؤيد).. و(قلعة القاهرة)، اللتان بنيتا في القرنين الخامس والسادس للهجرة، وإذا كانت أولاهما تتمثل ببناء واحد رائع في تصميمه، معجز في إقامته على ذلك الارتفاع الشاهق.. إلا أنني وأخي وليد صعدنا إليها بعد النقطة التي توقفت عندها سيارة (العم حمود). أما ثانيتهما وهي (القاهرة).. فتحتوي داخل حصنها المتين على قصر رئيس، ومنازل متعددة.. على مستويات جبلية مختلفة.. حيث تقابلهم حديقة يانعة الخضرة، وكان جميلاً أن نرى أثناء زيارتنا.. أعمال الترميم والصيانة تجرى في القلعتين على قدم وساق لتأهيلهما سياحياً وفندقياً، ليقترح علينا الأخ زياد.. زيارة منتزه الشيخ زايد الذي يقوم على قمة خرافية أخرى من قمم (جبل صبره).. لالتقاط أنفاسنا بعد هذا الصعود والهبوط من زيارة القلعتين، وأخذ فنجان من القهوة يتيح لنا فرصة تأمل ما حولنا، والحوار بيننا.. الذي كان قد أخذ منحى آخر منذ أن وقف ثلاثتنا فوق (المهبط) الذي أعد لطائرات (الهليوكوبتر) فوق أحد قمم الجبل الكثيرة، فقد كانت الغلبة في صنعاء ل(أحاديث السياسة)، أما الآن وحتى قبل وقفتنا هذه.. بل ومنذ مرورنا بمحافظتي (زمار) و(إب) وحتى وصولنا إلى (تعز).. فقد كانت الغلبة فيها لأحاديث (التنمية) وطموحاتها ومصاعبها التي أطال (الزميلان) الوقوف عندها كثيراً.. بينما كنت على خلافهما، ف(بلد) كالجمهورية اليمنية.. ب(كثافته) السكانية، وتلاحمه المكاني، وتنوعه المناخي، وجغرافيته الفريدة على ساحلي بحريه: الأحمر والعرب.. لابد وأن يكون مطمحاً لرؤوس الأموال والمستثمرين بصفة عامة والخليجيين منهم بصفة خاصة، وإن كان هؤلاء يحتاجون إلى عاطفة نحو اليمن كعاطفة الإيطاليين والفرنسيين نحوه.. مثلاً، وإن كانت المسألة برمتها.. تبقى مسألة وقت لا أكثر. ليقول أحد الزميلين أو ثالث من الحاضرين وبشيء من (السعادة): إنه سمع أو قرأ بأن المجلس الوزاري لمجلس التعاون قرر تخصيص مبلغ ستة مليارات دولار لدعم البنية التحتية في اليمن (مطارات، موانئ، طرق، كهرباء.. الخ) على طريق انضمامه للمجلس.. لأقول له.. بأن المبلغ وإن بدا كبيراً في عينيه، إلا أنه لا يبدو كافياً أمام المعدة اليمنية الفارغة، فاليمن.. يحتاج إلى ضعفه أو ربما إلى ضعفيه، لحظتها كنا قد وصلنا إلى منتزه الشيخ زايد الفريد حقاً بموقعه، والجميل ببنائه، والرهيب بإطلالته على كل مدينة تعز.. لتحضرنا فناجين القهوة اليمنية، ونستغرق في الاستمتاع بالمكان وحلاوة قهوته، ليقول الأستاذ زياد: لابد وأن أعرِّفك.. على (يمن)؟

قلت: أكثر.. مما عرفت..؟

قال: لا.. بل أعرفك على فتاة يمنية من جبل صبر.. تعمل في هذا المنتزه، واسمها (يمن).

قلت: فتاة.. واسمها (يمن)؟

قال: نعم.

وجاءت الفتاة بملابسها اليمنية الفلكلورية الجميلة والمتقنة.. لترحب بنا، ثم ركضت تستحث العاملين ب(البوفيه).. في سرعة تقديم القهوة.

إنني لا أجد أوصافاً.. أستطيع أن أصف بها هذه الفتاة العشرية أو ما فوق ذلك بكثير أو قليل.. فلم أعرف، ولم أسأل. إنها - وباختصار شديد - أجمل صورة يمكن أن يُقدم بها اليمن لكل الدنيا.. جمالاً وحياة وحياء وحيوية تأخذ بالألباب.

حاورناها مجتمعين.. فحاورتنا وأقنعتنا، بل وأبهجنا منطقها البسيط، وعندما ذهبت لتحضر إلينا زهوراً من (جبل صبر).. بلدها وحياتها، فاجأني الأستاذ زياد عندما قال لي بأن (يمن) لم تذهب إلى المدرسة قط!! وأن ثقافتها هذه التي ربما أعجبتك.. هي ثقافة سمعية تعكس ذكاءها وفطنتها، وليس غير ذلك.

قلت رغم دهشتي وتعاستي: ومع ذلك تبقى.. أفضل مرشدة سياحية يمنية رأيتها.

وعند مغادرتنا الاستراحة.. كانت تسلمنا باقات الزهور التي أحضرتها.

لقد أنستنا حيويتها وحضورها الأخاذ أن نقدم لها ثمن تلك الكميات الكبيرة من الزهور التي أحضرتها.. ليبقى (نسياني) أكبر غصة أخرج بها من جبل تعز الرائع: جبل صبر.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد