وقف خادم الحرمين الشريفين، الملك (عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود)، بحصافته المشهودة، وشجاعته المعهودة، ليعلن على شعوب الأرض كافة، من منبرهم الأممي في نيويورك، رؤيته الثاقبة لإحلال السلم والسلام بين البشر. السلام بديلاً للحرب، والسعادة بديلة للشقاء، والعدل بدل الظلم والجور، والحب.....
..... والأمن والوئام، بدل سوء الفهم والحقد والكراهية. يا لها من رسائل إنسانية سامية، تعكس روح الإسلام الحقيقية، وترفع عنه ما وصمه به الأشقياء من أبنائه.
وقف رائد السلام، وقائد غزوته السلمية المباركة إلى عاصمة الأمم (نيويورك)، كاشفاً للبشرية جمعاء، عن الوجه الآخر للإسلام، كما نزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه الوجه الباسم لا المكفهر، والمحب لا الكاره، والمتسامح لا الحاقد. الوجه الذي غيبه أعداء الحياة، وخصوم الإنسانية والتعايش والسلام، أولئك الذين خرجوا من بين المسلمين، وخرجوا كذلك من بين نظرائهم في الديانات والحضارات الأخرى، فاختطفوا هذه الأديان السماوية، وجعلوا منها منطلقات لنشر سمومهم، وفرض نفوذهم، وممارسة حماقاتهم وجهالاتهم ونرجسيتاهم، ونشر الخراب والدمار، وإيذاء بني البشر، وبث روح العدوان والكراهية بين أتباع هذه الديانات. إن كافة المسلمين والنصارى واليهود في هذا العالم، لا يعكسون في سلوكهم بالضرورة، جوهر أديانهم السماوية. الأديان السماوية كافة، جاءت من أجل هداية الناس إلى عبادة ربهم الذي أوجدهم من عدم، وأن يتعاملوا فيما بينهم بالحسنى، فيتحابوا ويتقاربوا، ويعمروا الأرض كما أمرهم الله بذلك. الله محبة. الله سلام.
قال قائد (غزوة السلام) المباركة، من مقر الأمم في نيويورك: (إن الأديان التي أراد بها الله عز وجل إسعاد البشر، لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم إن الإنسان نظير الإنسان وشريكه على هذا الكوكب، فإما أن يعيشا معاً في سلام وصفاء، وإما أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية إن كل مأساة يشهدها العالم اليوم، ناتجة عن التخلي عن مبدأ عظيم من المبادئ التي نادت بها كل الأديان والثقافات، فمشكلات العالم كلها، لا تعني سوى تنكر البشر لمبدأ العدالة إن الإرهاب والإجرام أعداء الله، وأعداء كل دين وحضارة، وما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح، والضياع الذي يلف حياة كثير من الشباب إن اهتمامنا بالحوار، ينطلق من ديننا وقيمنا الإسلامية، وخوفنا على العالم الإنساني، وإننا سنتابع ما بدأنا، وسنمد أيدينا لكل محبي السلام والعدل والتسامح).
هذه عبارات صادقة مخلصة، مفعمة بالحكمة، ومليئة بالروح الوثابة نحو تحقيق المزيد من العدالة بين الشعوب، وتجسيد مبادئ الحق وأخلاق السلام، في وجه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وضد تدهور المجتمعات البشرية، وانجرافها نحو الفساد الأخلاقي والمالي، والخراب الناتج في النهاية، لن يستثني أحداً أياً كان.
إن قمة نيويورك الأممية، التي رعاها عاهل المملكة العربية السعودية، الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) حفظه الله، تحت عنوان (حوار الأديان والحضارات الإنسانية)، تمثل تتويجاً مبهجاً لجهود (عبدالله بن عبدالعزيز) في ترسيخ مبدأ الحوار، ونشر ثقافة التقارب والتسامح، على المستويين المحلي والدولي. انطلق الحوار المحلي في المملكة قبل خمس سنوات، فجمع بين شرائح اجتماعية عدة، غلَّبت وطنيتها المخلصة، على رؤاها الفكرية، ومذاهبها المختلفة، ومناطقيتها المتعددة، ثم أصبحت للحوار الوطني، مؤسسة وطنية بارزة وفريدة في أوطان العرب والمسلمين، تديره وترعاه، وتسبر فوائده وجدواه، هي (مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني) بالرياض، كما جاءت مكة المكرمة التي هي قبلة أكثر من مليار مسلم في هذا العالم منطلقاً لحوار أشمل وأعم، يستهدف كافة سكان الأرض، على مختلف دياناتهم ومللهم وثقافاتهم وحضاراتهم. انطلق الحوار الحضاري لأتباع الأديان السماوية، والحضارات والثقافات الإنسانية، من مكة المكرمة غرباً حتى نيويورك، مروراً بمدريد في شهر يوليو الماضي.
هل كان من باب المصادفة، أن يقف الملك (عبدالله بن عبدالعزيز)، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حاملاً لواء السلام، على بعد أمتار من أنقاض برجي نيويورك المنهارين على أيدي إرهابيين عرب ومسلمين..؟!! قتلوا في غزوتهم (غير المباركة)، آلاف الأنفس، وقال عنهم زعيم قاعدة الشر (ابن لادن): إنهم من المسلمين المجاهدين، الذين يدخلون الجنة، ويكافئون على سفك الدماء، بالحور العين..!. (عبدالله بن عبدالعزيز)، قاد غزوة سلام إلى نيويورك نفسها، التي تعرضت لغزوة إرهابية باسم الإسلام، وكان من بين المنفذين خمسة عشر سعودياً، من بين تسعة عشر قادوا الطائرات المختطفة.
كانت هذه مهمة صعبة للغاية دون شك، ولكن.. بالحوار وإشاعة الشعور بالأمن والسلام، استطاع (عبدالله بن عبدالعزيز)، من منبر الأمم في نيويورك، أن يقلب الصورة البشعة، التي رسمها الإرهاب وأهله عن الإسلام والمسلمين، وعن المملكة العربية السعودية وشعبها تحديداً، إلى صورة أفضل وأجمل، في سبيل ترجمة برنامج رائد السلام، الذي أعلنه في هذا التجمع الدولي، إلى أفعال ملموسة، تنزه الأديان السماوية، فتوقف العدوان على الشعوب واحتلالها، وتنصف المظلومين ممن اضطهدهم وسلب منهم أرضهم، وتحترم حضارات الأمم، وثقافات الشعوب، وتأخذ بنهج العدالة والتسامح، وتحفظ حقوق الإنسان أياً كان جنسه أو لونه أو دينه أو مذهبه في أي بقعة على هذا الكون.
هذه هي (غزوة السلام). الغزوة المباركة بحق، وليست غزوة الإرهاب والإرهابيين.. غزوة (منهاتن غير المباركة)، لأن غزوة السلام هذه، عكس (غزوة الإرهاب) تلك، تحفظ الدماء ولا تسفكها، وتعمر الأرض ولا تدمرها، وتنشر العدالة ولا تنتهكها، وتدافع عن الإسلام والمسلمين، ولا تستعدي على الإسلام والمسلمين.. هذه هي رسالة الإسلام وجوهره بحق، يا من نصَّبْتم أنفسكم أوصياء على الإسلام والمسلمين.
assahm@maktoob.com