أبا طارق لا تبعد فكل فتى |
يوماً رهين صفيحات وأعواد |
يمر بالإنسان في هذه الحياة ساعات وأيام قد تؤلمه وتحزنه، ويكون وقعها على النفس موجعاً جداً ولا سيما إذا كانت مفاجئة، وقد يطول مكثها بين حنايا الأضلع، وأكثرها إيلاماً وتفجعاً غياب أقرب الناس إليه: الوالدان والأبناء والأقربون من الأسرة، ورفاق العمر من الأصدقاء والأحبة لأن فقدهم يحدث فجوة في حياته كلما تذكرهم وتذكر الأيام الجميلة التي عاشوها سوياً في غبطة وهناء، وما يتخللها من طرائف ومداعبات خفيفة، فيزداد لوعة وتحسراً على ماضي الأيام، ومن الأشياء التي آلمتني وكدرت خاطري نبأ وفاة صديقي وزميلي في العمل الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله المهيزع (أبو طارق) حيث غادر الحياة الدنيا إلى الدار الباقية بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 7-11-1429هـ، وصلى عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الخميس 8-11-1429هـ في جامع الملك خالد بأم الحمام الذي أكتظ بجموع غفيرة من المصلين رجالاً ونساء، دعوا الله له بالمغفرة وطيب الإقامة والنور التام في مضجعه إلى يوم النشور، ولقد بدأ العمل الوظيفي مبكراً حيث عين كاتب ضبط في المحكمة الشرعية بالرياض بجانب فضيلة القاضي الراحل الشيخ محمد بن عبدالعزيز المهيزع - رحمهما الله - فكانت بداية للأعمال التي زاولها ورأسها في عدد من البلدان والمواقع بكل نشاط وحيوية حيث عين مدرساً بمدرسة سبيكة الابتدائية بالرياض في آواخر السبعينات...، ثم وجه للعمل بمعهد المعلمين بحريملاء ليعمل بشؤون الطلبة - آنذاك - وكان متعاوناً معنا ومخلصاً في أداء واجباته، وبعد ذلك انتقل مديراً للمدرسة الابتدائية بملهم فترة من الزمن...، ثم عين رئيساً لبلدية ليلى بالأفلاج فكان له نشاط ملحوظ في بداية تطوير المدينة ونظافتها هناك، وقد دعانا مشكوراً لزيارة مدينة الأفلاج مع لفيف من الأصدقاء حيث توجهنا نحوه على متن حافلة كبيرة فاستقبلنا على مشارف (ليلى) هو ونخبة من وجهاء البلاد الكرماء، وبعض رؤساء الدوائر الحكومية، وقد وجدنا كل الحفاوة والتكريم من الجميع كما قمنا بجولات في أنحاء تلك البلاد الجميلة لمشاهدة بعض المعالم والآثار القديمة البارزة بتلك المدينة رحبة المناكب المتربعة على مساحات منبسطة ومتباعدة الأطراف مروراً بالعيون المشهورة - قبل أن تجف - ذات النبع الثري في سقي حقول النخيل والمزارع عبر السواقي لجريان الماء المتدفق من جوف تلك العيون صافية الماء في تلك الحقبة البعيدة، ثم عدنا بعد الاستمتاع بتلك المشاهد الجميلة شاكرين له ولجميع المحتفين بنا، ثم انتقل رئيساً لبلدية مدينة الرس بمنطقة القصيم، وكان له أثر في تطوير المدينة واتساعها وما حولها من البلدان..، لما يلقاه من تشجيع ودعم مالي من الجهات العليا بالدولة - أعزها الله - التي تهدف إلى تطوير المدن والأرياف وتوطين البادية بالهجر، ومنحهم قطعاً من الأراضي مع إقراضهم من بنك التسليف العقاري لإقامة مساكن لهم ولأسرهم مما جعل المدينتين (ليلى والرس) تبدآن في الاتساع العمراني لرحابة أفاقهما المتباعدين طولاً وعرضاً.. في عهد (أبو طارق). |
دقات قلب المرء قائلة له |
إن الحياة دقائق وثواني |
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها |
فالذكر للإنسان عمر ثاني |
ثم عاوده الحنين مرة ثانية إلى مدينة حريملاء مهوى رأسه ومسرح طفولته ليعمل في بعض القطاعات الحكومية... حيث عمل ببلدية حريملاء فترة من الزمن... ثم تولى إدارة مكتب الضمان الاجتماعي وكان له دور ملحوظ في تسهيل إجراءات الأعمال التي تخص الأرامل والأيتام وجميع المستحقين حتى تقاعد، ثم رغب في التعاقد مع فرع الأوقاف وشؤون المساجد على وظيفة ملاحظ، وبعد تلك الرحلة رحلة العمل الطويلة في خدمة وطنه وأهله أخلد إلى الراحة والدعة، والتفرغ لشؤونه الخاصة، وتسريح النظر في بطون الكتب ليمتع نفسه ويريحها من متاعب الحياة ومكابدة الأعمال التي سعد بمزاولته العمل بها عبر السنين الطويلة، ولكن السعادة وراحة البال لا تدوم في الحياة الدنيا أبداً حيث تداعت عليه كثير من الأمراض والعلل فاستوطنت جسمه وكدرت عليه لذيذ العيش وراحة البال، فأخذ يتنقل من مستشفى إلى آخر داخل المملكة وخارجها عله ينجو من ما حل به من أمراض ومتاعب جمة صعب على مهرة الأطباء قهرها وإجلاؤها من جسده الآهل بشتى الأمراض...، وهذه طبيعة الحياة التي لا يدوم سرورها، فنهاية كل حي مغادرتها إلى دار البقاء..، والنعيم المقيم لمن شملته رحمة رب العباد- رحم الله أبا طارق- ولقد عاش محبوباً لدى رفاقه ومحبيه لما يتمتع به من رحابة الصدر ودماثة الخلق والميل إلى الدعابة والفكاهة، فهو دائماً يبحر في كثير من الكتب الأدبية وله باع طويل في التاريخ وأحوال القدماء، وما قد يجري في تلك الحقبة من طرائف وعادات تستهوي القارئ إلى حفظها ليقتات منها عند محادثة الرجال وما فيها من عظات وعبر، ولنا مع (أبو طارق) ذكريات جميلة لاصقة في جدار الذاكرة لا يمحوها ماح مدى العمر، منها ذكريات الرحلات والقنص ليلاً - قبل المنع - بأودية حريملاء وشعيبها الرحب، وبوادي الحيسية وسهوله المتاخمة لبلد سدوس بلد آل معمر، وكنا نسعد بصحبته معنا ونتفاءل به حيث نصادف الكثير من الأرانب البرية فنصطادها، لنجد في ذلك متعة لا يضاهيها متع من متع الدنيا، فالذكريات معه أثناء عمله معنا بالمعهد وبالمرحلة المتوسطة لا تنسى وقد مرت الأيام مسرعة ولم تعد إلينا أبد الليالي، وختاماً يقول الشاعر: |
ومن عاش في الدنيا فلابد أن يرى |
من العيش ما يصفو وما يتكدر |
رحم الله أبا طارق وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وشقيقتيه أم عبدالعزيز الناصر وأم علي بن محمد الشدي وعقيلته وأم طارق ومحبيه الصبر والسلوان. |
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. |
حريملاء |
|