كثيرا ما نسمع عن قصص مأساوية ومعاملات خاطئة يعاني منها كثير من أبنائنا وطلابنا سواءً مع أسرهم أو في مدارسهم جراء المفهوم الخاطئ (لقضية العقاب) الذي جعله البعض عقوبة انتقامية لا علاجا تربويا!!، والعقاب مما لا شك فيه أحد أساليب التربية فإن التربية الإسلامية لا تغفل أي أسلوب تربوي توجه به الإنسان وترشده، فإذا لم يفد أسلوب القدوة والموعظة لجأت إلى أسلوب الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، ولقد استخدم القرآن الكريم أسلوب هذا الترغيب لبيان النتائج الطيبة للإيمان بالله ومراقبته، والتحلي بالقيم والأخلاق الكريمة. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}ولكن ينبغي للمربين أن يعوا أن مع أهمية الترغيب والترهيب ينبغي أن يُعلم أن هذا الأسلوب لن يؤتي ثماره إلا إذا كان استخدامه استخداماً سليماً فلا تستخدم صيغة الأمر والنهي دائماً وإنما بالتوجيه تارة, وبالتعزيز والتحفيز تارة أخرى مادياً ومعنوياً. والترغيب والترهيب أسلوبان تربويان من أساليب التربية وهما أسلوبان متضادان فالترهيب (هو وعد يصاحبه تهديد الإنسان بالعقوبة وتحذيره من الأعمال التي تؤدي إلى الوقوع في المخالفات) وأما أسلوب الترهيب فهو أسلوب تربوي جيد لا يمكن الاستغناء عنه في مجال التربية وخاصة تربية الطفل وهو من أساليب التربية المهمة ولأهميته ورد ذكره في عدة مواضع من القرآن الكريم ومنها قوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}، وقوله تعالى : {وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ** ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}ولأهمية أسلوب الترهيب في العملية التربوية فقد استخدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي الصحابة على تجنب المنهيات والوقوع فيها ومن هذه النصوص ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (... إياكم والكذب فإن الكذب يهتدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما زال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) متفق عليه.
وهكذا يكون أسلوب الترغيب والترهيب وسيلة من وسائل التربية في تحقيق أهدافها التي ينبغي على المربين أن يهتدوا بها في استعمال أسلوب الإثابة والعقاب وفيما يتعلق بالعقوبة فيجب أن تأخذ الأمور التالية في الحسبان:
** أن أسلوب العقاب ثابت بالكتاب والسنة وخصوصاً الضرب غير المبرح.
** عدم الإكثار منها خشية أن تصبح مألوفة فيقل تأثيرها.
** الحرص على أن تكون من نوع الخطأ, ومناسبة له، وبذا يكتسب العقاب صبغة الإصلاح لا مظهر التشفي والانتقام.
** استعمال أسلوب العقوبة بهدوء ونزاهة حتى لا تخدش الكرامة، ولا تؤلم النفس ولا تولد الحقد والكراهية.وإن كانت العقوبة بالضرب فلا تزيد عن عشرة أسواط, ويتجنب الوجه والأماكن الخطرة من الجسم, ويكون بعد مرحلة التوجيه والنصح والموعظة.
** نعاقبه على قدر الخطأ، مع تفهيمه السلوك الخاطئ و كذلك مراعاة حساسية المعاقب ومشاعره.
وقبل أن نختم حديثنا هنا, علينا أن نتنبه إلى أمر مهم وهو أن (العقاب) لا يعني الضرب أو التعنيف والقسوة!! وإنما يشمل أموراً كثيرة منها: حرمانهم من بعض ما يحبون من هدايا أو حلوى أو ألعاب أو ممارسات خاصة بهم, أو إشعارهم بالغضب وعدم الرضا من خلال عدم التحدث معهم لفترة غير طويلة أو (بعدم مجالستهم فترة من الزمن) أو بأي وسيلة يصل من خلاله (عدم رضانا مما أحدثوه أو فعلوه من عمل غير سوي أو عمل غير تربوي)... ويجب أن يشعروا أن عدم الرضي أو الهجر (هو من سلوكه السيئ لا من شخصه)!! ومن واجبنا أيضا تعليم الطفل (أن يعتذر)، وعلينا أن نشجعه على ذلك، لأن الاعتذار أمر مهم جداً في منظومة العقاب، ولكن بعد توقيع العقوبة وليس قبله.. ويجب التأكد على أن الرسالة التي نريد إيصالها له قد وصلت وهي (أن الغضب كان من سلوكه الخاطئ، وليس من شخصه. والسؤال هنا متى نخطئ في العقاب؟ والجواب: نخطئ عندما نعاقبهم على فعل صدر منهم لمرة واحدة أو لمرات قليلة، والقلة تعتبر بحسب سن كل طفل.
نخطئ عندما نعاقبهم بشدة على إخفاقهم الدراسي أو التأخر عن الحضور إلى المدرسة.
نخطئ عندما نعاقبهم على سلوك دون أن ندربهم على السلوك الصحيح، أو السلوك البديل. نخطئ عندما نعاقبهم تحت ضغط متاعبنا اليومية ومشاكلنا الذاتية النفسية.
نخطئ إذا عاقبنا الطفل بأسلوب (تدمير المشاعر) كحرمانه (من العاطفة) أو التهديد بعدم (محبته) أو(لمزه بألقاب التحقير والتندر)!! بل يجب أن يشعر دوماً بأن كل ما نفعله لن يمنعنا من محبته بل هو في مصلحته ومن أجله .
Saad.alfayyad h@hotmail.com