أرسل إليَّ أحد القراء رسالة يستاء عبرها من مقال سبق أن نشرته عن الانتخابات الأمريكية، عبرت فيه عن تقديري للحراك التاريخي للديمقراطية وتجلياتها هناك، حيث قال: (سواء بوش أو من بعده... ما في الفار طاهر)، وبما أن الفار بات يمتلك حضوراً إعلامياً في هذه الأيام، ولا سيما مع الفتوى الشهيرة المتعلقة بنجاسة الفار الأمريكي (ميكي ماوس)، والتي بدورها أصبحت مركزاً للأضواء المتهكمة في الإعلام الأمريكي لفترة طويلة.. فإن هذا يحيلنا بالتأكيد إلى أغنية شعبان عبدالرحيم التي يتابع فيها شعبولا تغطيته المستمرة للأحداث المحلية والعالمية عبر الأغاني، حيث تقول كلمات أغنيته (سكة الندامة): (يا سكة الندامة يا دنية الوحوش.. إياك باراك أوباما ما يكنش زي بوش)!!!
هذا السياق كله من الممكن أن يكون مؤشراً يحيلنا إلى (ميكانيزم) الاستقبال للأحداث العالمية في العالم العربي؛ كونها في غالبيتها تنحصر في عدد من النقاط:
- الحس الوجداني المدمى من الأجنبي، ورفض أي قراءة له تختلف عن القراءة التقليدية التي تجعل منه بصورة مستمرة مستعمراً حاملاً لرموز الخراب، وطامعاً محتلاً بمقدرات المنطقة الطبيعية.
- حس المؤامرة والاسترابة من الآخر المهيمن على الأعماق، ورفض تغيير القالب المنمط الذي نضع الآخر داخله، كون الحس الجمعي يشعر أنه متورط بخيوط شبكة جهنمية من المؤامرات عبر التاريخ يعجز عن الفكاك منها.
- غياب أدوات التحليل المنطقي للأحداث من حولنا، أعني هنا التحليل القائم على قراءة موضوعية خالية من العواطف والوجدانيات، واستقبال الأمور وتحليلها على الغالب يخضع لفوران العواطف وجيشانها على حساب الاستدلال بالعقل الذي يرتب الأمور بشكل متسلسل خاضع لمنظومة من المسببات التاريخية.
- العجز عن الخروج من أنا متضخمة (جوفاء) مليئة بالشعارات والأساطير وأوهام الأمجاد المندثرة، والعجز عن الانفتاح على المنجز الإنساني العالمي بروح من التفهم والتسامح والاستقبال الإيجابي الذي يعي بأن أي منجز متفوق، سواء على الصعيد التقني أو الفكري لمنطقة معينة في العالم، لم يعد حصراً على تلك المنطقة بعينها، بل إن أصداءه وآثاره سرعان ما تشمل العالم بأسره.
والمفارقة هنا تظهر مع تزامن هذا مع الدعوة التاريخية الخضراء التي يطلقها خادم الحرمين الشريفين من على منبر الأمم المتحدة، بشكل يتجاوز به زمانه ومكانه بسنوات ضوئية من خلال خطواته المهرولة نحو المستقبل.
التربة في العالم العربي ما برحت جرداء مجدبة سوى من آثار دماء الفتن والحروب منذ زمن كربلاء إلى اليوم، هذه التربة التي باتت بحاجة ماسة إلى تهوية وتخصيب..... واستعداد لبذار تحتمه المراحل القادمة.