في عقد الستينات من القرن العشرين، كان هناك تقارب ملحوظ بين الإسلام والنصرانية جاء نتيجة حوار متواصل مع الفاتيكان، الممثل الأعلى للنصرانية الكاثوليكية في الغرب، وكان من نتائج ذلك خروج مرسوم مجلس الفاتيكان،..
.. الصادر عام 1965م الذي تضمن استنكاراً مفاجئاً لموقف الغرب من الإسلام، إذ ظل ذلك الموقف مهيمناً أكثر من خمسمائة عام، فقد محا بعبارات شاعرية رائعة، كمروج للأكاذيب والفرقة، وإن صواب تقدير المرسوم للإسلام وإن تصوير دانتي لمحمد جاء متأخراً لا يدانيه إنصافاً سوى العبارة الأخيرة من الفقرة الثالثة للمرسوم، التي وإن كانت أقل روعة في صياغتها، إلا أنها أسمى في دلالاتها، فقد جاء فيها: (بالنيابة عن البشرية كافة نأمل أن يتوصل المسيحيون والمسلمون إلى قضية مشتركة لحماية العدل الاجتماعي والقيم الأخلاقية ودعمها فضلاً عن السلام والحرية). وفي تعليقه على هذا الحدث، يقول (رالف بريبانتي): (وفي حث واضح على العمل، واعتراف صريح بأخطاء الماضي، ودعوة إلى نبذ العداوة والبغضاء، يبين المرسوم مواضيع الاتفاق بين العقيدتين في أسلوب لا ينم على إضمار لنوايا عدائية يخفي وراءه إحساساً بالتفوق. وتمضي الوثيقة فتعلن باسم البشرية كافة توكيداً ضمنياً لدعوى العالمية، التي تمثل بشكل حيوي أحد أبعاد كلا الدينين. واليوم - بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً على إعلان المرسوم - حان الوقت لتفعيل جهود العالمين الإسلامي والمسيحي التي تستهدف الوصول إلى صياغة قضية مشتركة لتلك الدعوى، ولا سيما بعد أن اكتسحت الغرب منذ مرسوم 1965م موجة عارمة من الشعور المعادي للإسلام، تبدو آثارها المدمرة في الأفلام السينمائية والإذاعات المرئية وكتب الثقافة الشعبية).
بعض خصائص الإسلام المتصلة
بالتواصل الحضاري:
1) إنه دين رباني، أي أن مصدره هو الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان من عدم والعالم بمصلحته، وما يكون فيه خيره وما يكون فيه مصدر الشر له، وبهذا ينتفي التنافس بين البشر في ادعاء تأسيسه وبنائه، وهم جميعاً تحت قوانينه وشرائعه سواء.
2) الاستمرارية؛ فالإسلام يشمل جميع الرسالات السماوية السابقة في صورتها الأصلية غير المحرفة {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (آل عمران: 19).
3) العالمية؛ فالرسول أرسل للبشر كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
4) الشمول، وهذا يعني أن الإسلام ينظم جميع جوانب حياة الإنسان بما فيه مصلحته في الدنيا والآخرة؛ وبهذا لا يترك الإسلام للإنسان الاجتهاد في العموميات التي يرسمها الإسلام له، وعليه يتساوى جميع الناس في اتباع أوامره واجتناب نواهيه فيما فيه فائدة الجميع.
5) التوازن، الإسلام دين التوازن بين الروح والمادة، وبين الدنيا والآخرة، وبين الفرد والمجتمع، وهذا ما يسعى إليه الإنسان السوي في جميع الحضارات.
6) الوحدة، الإسلام يؤمن بأن أصل البشر واحد، وأن الله خلقهم من تراب، وأن جدهم آدم قد خلقه الله بيديه، ونفخ فيه من روحه. وهذا يوحد بين البشر المنتمين إلى جميع الثقافات والحضارات. ومن يدخل في الإسلام فإنه يشعر بالوحدة مع غيره من المسلمين من الثقافات المختلفة في وحدة الإله، ووحدة النبوة، ووحدة الكتاب المقدس ووحدة القبلة.
7) المساواة، فالناس في الإسلام لا فرق بينهم إلا بالتقوى. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).
دواعي الحوار والتواصل بين الحضارات:
لإقامة الحوار والتواصل الإيجابي بين الحضارات دواع كثيرة من أهمها ما يلي:
1) تبادل الخبرات والمنافع والتعاون على الخير، والخبرات تشمل جميع جوانب الحياة مثل الخبرات المعمارية، والزراعية، والفنية، والطبية ونحوها، أما تبادل المنافع فيشمل كل ما يدخل تحت سقف التجارة والتعاون لصد أي مكروه.
2) حل الخلافات، والخلاف هو الافتراق وأن يأخذ كل فريق طريقاً غير طريق الآخر، وللخلاف أسباب كثيرة منها: اختلاف الموازين وأدوات القياس، سوء الفهم، الشك في النوايا، الجهل بالآخر، اتباع الهوى، الغطرسة والتمحور حول الذات، وعدم الاعتراف بالآخر.
3) تجنب الصراع، وحقن الدماء، وإشاعة السلام والأمن؛ فالصراع يؤدي إلى سفك الدماء، وتدمير الممتلكات، وضياع الأموال، وتعميق الكراهية والتباعد بين الأمم والشعوب. وصلح الحديبية يعتبر أفضل مثال على ذلك.
4) التعليم، فالحوار من أفضل الأساليب التعليمية القائمة على الإقناع والحجة والعقل. وتعتبر قصة موسى والخضر - عليهما السلام - من أفضل الأمثلة على هذا النوع من الحوار. والسنّة المطهرة مليئة بالحوار التعليمي بين الرسول وأصحابه الكرام. وغالباً ما يكون هذا النوع من الحوار مبتدئاً بسؤال استفهامي من الرسول، أو من أحد الصحابة، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم...) الحديث، أو سؤال أحد الصحابة رسول الله عندما قال: (مَن أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال أمك: قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك). ومثله الصحابي الذي جاء إلى الرسول الكريم وقال أوصني: فقال له: لا تغضب. وكررها ثلاث مرات.
5) الدعوة إلى مذهب أو فكرة، فالحوار يعتبر من أفضل الوسائل، والقرآن مليء بالشواهد من محاورة الأنبياء والرسول لقومهم، ومحاولة إقناعهم بصحة ما يدعونهم إليه وبطلان ما هم عليه من عبادات باطلة.
6) رد الشبهات، وإبطال التهم والافتراءات. قصة يوسف عليه السلام، وشهادة الشاهد الذي من أهلها، التوضيح وشرح المفاهيم وتحديدها، وكان هذا من أشهر الأساليب التي كان يتبعها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مثل قول: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أويأتي أحدنا أهله بشهوة ويكون له في ذلك أجر؟ قال: نعم. أرأيتم لو وضعها في حرام، أيكون عليه وزر؟!!) الحديث.
Zahrani111@yahoo.com