Al Jazirah NewsPaper Sunday  16/11/2008 G Issue 13198
الأحد 18 ذو القعدة 1429   العدد  13198
أعلام ورواد في الذاكرة
الشيخ العلامة ابن بليهد مُؤلف (صحيح الأخبار)
بقلم عبدالله الصالح الرشيد(*)

من البديهيات المألوفة ومن سنن الحياة المعروفة أن الأعمال الجليلة الخالدة تتحدث عن نفسها وتبرز مكانة أصحابها أحياء أو أموتاً.. تذكرت هذه الحقيقة المأثورة وآمنت بصحتها وأزليتها وأهميتها وأنا أعيد قراءة هذا السفر الخالد بمجلداته الضخمة وأجزائه الخمسة المسمى (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار) تأليف شيخ أدباء نجد في القرن الرابع عشر الهجري المؤرخ الكبير والرحالة الشهير محمد بن عبدالله بن بليهد يرحمه الله.. إن القلم ليقف إكباراً وتقديراً أمام الجهد الدؤوب والعمل المبدع المتواصل لعشرات السنين، الذي بذله علامتنا الجليل في تأليف هذا الكتاب النفيس الذي يندر أمثاله في زماننا في مادته وبحثه وحتى وقتنا الحاضر إذا ما أخذ بعين الاعتبار محدودية الإمكانات المادية في ذلك الوقت وتواضع وسائل النقل التي استخدمها وجاب بها أصقاع الجزيرة العربية ليقف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة بما له صلة بتحديد المواقع التي تطرق إليها في سفره الخالد والأماكن التاريخية التي جاء ذكرها في شعر المعلقات وصدر الإسلام مع شواهد وأمثلة من الشعر بمختلف القرون هذه الاماكن التي كانت مزدهرة أو معروفة على مدى أيام تاريخ العرب الحافل منذ أقدم العصور.. وإذا كان لأي بلد أن يفخر ويعتز بالمبدعين والمكافحين في ميادين العلم والتأليف الرصين من أبنائه فإن لأبناء هذه الجزيرة قاطبة أن يفتخروا بالشيخ الرائد العلامة محمد بن بليهد الذي وصفه الأستاذ محمد حسين زيدان يرحمه الله في حديث متلفز قبل سنوات وأطلق عليه مسمى (الفارس الجوال) لأنه أمضى حياته في جهد متواصل من أجل تأليف كتابه - صحيح الأخبار - وكان شعاره - ليس من رأي كمن سمع - فقد كان لا يكتب عن مكان أو موقع تاريخي ذي أهمية حتى يرى اثره وموقعه على الطبيعة وقد أمضى بشهادة الرواة حوالي ثلاثة أشهر في عوالي القصيم باحثاً ومدققاً من أجل تحديد وتأكيد المواقع التالية: العاقلي، منعج، الأبرق، رامات، البطاح، الرسيس وغيرها وهي التي ورد ذكرها فيشعر زهير بن ابي سلمى وغيره كما أمضى فترة طويلة وهو يتردد على موقع سوق عكاظ حيث حدد موقعه بالرسم والتفصيل.. ويعتبر - صحيح الاخبار - مورداً حيوياً ومصدراً رئيسياً لدارسي أدب وجغرافية الجزيرة العربية من عرب ومستشرقين كما نال إعجاب وثناء كبار الأدباء والمحققين في معظم الدول العربية.. والشيخ محمد بن بليهد لم يكن رحالة مؤرخاً فقط بل يعد من كبار الأدباء والشعراء والمحققين للتراث ولكن شهرته كمؤرخ والجهد المتميز والحثيث الذي بذله في تأليف كتابه الذائع الصيت - صحيح الأخبار - كل ذلك ألقى بظلاله على الجهود والابداعات والمواهب الأخرى التي عرف بها.. والذي يعنينا في هذا المقام ونحن نحاول إلقاء الضوء في إطلالة عاجلة على حياة وجهد ومكانة أديبنا ومؤرخنا الكبير والاعتزاز بمؤلفه القيم الذي يحق لنا وبدون مكابرة ولا مبالغة أن نفاخر به وبمكانته الراسخة في عالم الموسوعات والمؤلفات الرائدة في ميدانها قديماً وحديثاً.. الذي يهمنا بعد ذلك كله هو الالتفات إلى جيلنا الحاضر جيل الجامعات ومئات المعاهد والكليات بنين وبنات والمراكز العلمية المتخصصة في طول البلاد عرضها فهل لدى هذا الجيل المعرفة المطلوبة ولا نقول التامة عن هؤلاء الرواد أمثال الشيخ بن بليهد وعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر وغيرهم من الرواد بمختلف التخصصات والين برزوا وأبدعوا وحققوا المكانة الرفيعة لبلادنا في أعمال باهرة رغم الظروف الصعبة واتساع رقعة الجهل في القرن الماضي.. إننا لا نلقي اللوم على أحد بعينه في عدم التعريف بهؤلاء الرواد بما يليق بمكانتهم ولكن في يقيني وفي رأيي أنه يمكن تدارك ذلك أو بعضه الآن مع توفر الإمكانات المادية والإعلامية في هذا العهد الزاهر وذلك باتباع الخطوات التالية وهي باختصار:

1 - إعطاء نبذة عن حياتهم في مؤلفاتنا ومقرراتنا المدرسية الأدبية كما تسمى بعض المدارس الحكومية بأسمائهم خاصة وأننا نرى مسميات لأسماء معاصرة شبه مجهولة ومحدودة العطاء من غير رموز هذه البلاد.

2 - إطلاق أسماء بعض الشوارع الرئيسية في بلادنا بأسماء هؤلاء الرواد وخاصة الشوارع التي تكون قريبة من الجامعات والمدارس والمراكز العلمية لعلاقة هذه الأسماء بالبيئة والمحيط التعليمي.

3 - تقوم الجامعات بتسمية بعض صالات القراءة أو المحاضرات والمكتبات بأسماء هؤلاء الرواد كما تقوم هذه الجامعات أيضا بتكليف الطلاب بالأقسام الأدبية وكجزء من مناهجها بكتابات ودراسات عن حياة ومؤلفات هؤلاء الأفذاذ حيث لوحظ مع الأسف أن معظم طلبتنا يعرفون عن أدباء الأقطار الأخرى أضعاف معرفتهم بأدبائنا المشهورين وما العذر وجامعاتنا تحتضن الصفوة المتميزة من الدكاترة من أبناء هذا الوطن.

4 - على دور النشر والمكتبات الكبرى ووزارة الإعلام والثقافة ووزارة التربية والتعليم أن تهتم بمؤلفات أدبائنا المتميزين الكبار وتقوم بطباعتها وتوزيعها وبالذات على مكتبات المدارس التي تفتقر إلى ذلك.

5 - على النوادي الأدبية في بلادنا أن تهتم برواد النهضة الأدبية الاوائل في بلادنا وتلقي الضوء على جهودهم وإبداعهم وهذا يدخل في أولى اهتماماتها ورسالتها.

6 - بالنسبة للرائد العلامة الشيخ محمد بن بليهد نأمل أن توضع جائزة تقديرية باسمه تقدم للباحثين والمؤلفين في التراث وتحديد الأماكن التاريخية وبالذات المتخصصون في الجغرافيا والتاريخ وعلم الآثار.. هذه الجائزة تقدم كل خمسة أعوام للإبداعات المتميزة في هذه المجالات، تشرف عليها لجنة تأسيسية ويرعى شؤونها أبناء الفقيد وتلامذته وهم على ما نعرف من المكانة الاجتماعية والأدبية بمقام رفيع.

والله من وراء القصد

ص.ب 27097 - الرياض 11417
* كاتب صحفي - مدير عام تعليم


abo.bassam@windowslive.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد