جاء في لسان العرب لابن منظور أن (الثقف) هو الرجل الحاذق، الفهم، وأتبعوه بقولهم: فلان ثقف، لقف! ولقف من (لقافة) التي نعتبرها اليوم سُبّة ما بعدها سُبة مع أنها في فهم أسلافنا مديح ما بعده مديح؛ إذ تعني لديهم الرجل الرامي الراوي، وثقف الشيء تعلمه بسرعة. والثقّاف ما تسوى به الرماح، وتثقيفها يعني تسويتها وتهذيبها، ومنها أخذنا اليوم كلمة مثقف التي تعني لنا آنياً الرجل الشاسع المعرفة والعلم والتجربة والرؤية. هذا بالطبع لدى المثقفين الحقيقيين، أما لدى الناس العامة فهي تعني خلطاً وخطأً المتعلم فقط. |
أما في لسان أهلي عرب البادية فإن المثقف لديهم يعني الأنيق النظيف (الكشخة)؛ لذلك قال شاعرهم البدوي ساخراً من هذا النموذج: |
(انت من زود الثقافة تنكس الطاقيه |
مظهر طارق فلوسك والثياب نظافي |
شيمتك بس أتنحنح وتقلط على الصينيه |
تحسب أنك صاير معمر القذافي!!) |
وبمناسبة ذكر (الكشخة) والكشاخين فإن أهلنا أهل الحاضرة يسمون الكاشخ (أزقرتي) بينما (الزقرتي) لدى أهلنا أهل البادية هو (العزوبي؛ أي الأعزب). |
ما علينا من ذلك كله على اعتبار أن سالفة (تجرّ سالفة) بل إن الذي علينا في هذه المقالة أن نتناول موضوعاً في غاية الأهمية ألا وهو (أمية المثقف) اليوم. ومع أن العنوان يشي بالغرابة والاستغراب إلا أنه حقيقة قائمة لدى الكثير من مثقفينا (الأفذاذ) الذين كنا نسميهم إلى وقت قريب (مثقفين حقيقيين) فإذا كان الأمي قبلاً مَن لا يعرف القراءة والكتابة، وأضفنا إليه مؤخراً أمياً آخر هو المتعلم الأمي الذي لا يمتلك الثقافة والوعي. أما اليوم فاسمحوا لنا أن نضيف أيضاً إلى الأميين السابقين أمياً جديداً ألا وهو (المتعلم المثقف الأمي)، والذي ستسألون بالطبع: مَن يكون؟ ولكن قبل التساؤل اسمحوا لي أن أقول إن المثقف الأمي هو مَن لا يحسن استخدام الكمبيوتر والتعامل مع ال(نت)؛ لذلك سجلوني أول المثقفين (الأميين) - إن كنت كذلك - مع أنني أعرف الكثير الكثير من أشباهي (المنخشين)، وأجزم أنكم ستصدمون كثيراً لو قدمت لكم قائمة طويلة بأسمائهم، ولا سيما الذين منهم أسماؤهم مسبوقة بحرف ال(د)، مع أن (الدال) هذه الأيام على (قولة) أهلنا المصريين (على قفا من يشيل)؛ الأمر الذي يدعونا هنا إلى ضرورة اختبارهم من جديد؛ إذ لا نستبعد أن يوجد بينهم أميون حقيقيون؛ أي لا يقرأون ولا يكتبون.. فيا للهول!! |
|