هيئة سوق المال غرامة على شركة دار الأركان لتسرب خبر الأرباح بطريقة مخالفة للأنظمة، وسبق أن عاقبت الهيئة عدة شركات لأسباب مماثلة، تتركز كلها حول تسرب معلومات قبل أن تجيز الهيئة نشرها، لكن العقوبة وقعت على مساهمي تلك الشركات الذين لم يقترفوا ذنباً سوى أنهم ساهموا بها؛ لأن المستثمر أصبح مذنباً ويستحق العقوبة والغرامة على قراره بدخول سوق المال، فلا يكفي حجم الخسائر التي يتكبدها من جراء انهيار الأسواق حتى يتآكل معها جزء من العائد الذي أصبح ملاذه الآمن لتعويض الخسائر، هذا بخلاف الخسارة التي تزداد بسعر السهم بعد إعلان إيقاع الغرامة على الشركة التي يستثمر بها.
فدار الأركان انخفض سعرها قرابة ثلاثة ريالات بعد القرار، أي بأكثر من ملياري ريال لقيمتها السوقية. والغريب ألا يحاسَب المتسبب الحقيقي من تلك الشركات ولا يُحمّل المسؤولية، والمثل الشائع يقول (من أَمِن العقوبة أساء الأدب) فتسريب المعلومات يأتي من ثقبي الإهمال أو المنفعة الشخصية، وفي كلتا الحالتين مجالس إدارات الشركات ومسؤولوها التنفيذيون معنيون ويجب تحميلهم الغرامة بدلاً من فرضها على الشركة، وبالتالي على المساهم؛ فهم الموكولون من قِبل المساهم لإدارة الشركة، وبالتالي ضبطها إدارياً، وعليهم فتح تحقيق فوري ومحاسبة المتسبب، ويجب أن تكون عقوبة الهيئة موجهة للإدارات والمشاركة بالتحقيق داخل الشركة وتحميل المسؤولية للموظف المعني بالخطأ وطلب إزاحته عن موقعه؛ ما سيردع الموظفين بأي شركة من محاولة تكرار تسريب أي معلومة.
نعلم أن الشركات تغرم وتعاقب على مخالفاتها للأنظمة التجارية كالاحتكار أو التنافسية غير الشريفة أو الخلل بمنتجاتها، وهنا تكون الغرامة مقنعة للمساهم؛ كونها تتعلق بصميم نشاط الشركة التي قَبِل المخاطرة بالمساهمة فيها، لكن أن يتحمل إساءة استخدام الوظيفة بتسرب معلومات من قبيل إعلان النتائج أو رفع رأس المال التي تمحورت حولها الغرامات الموقعة على الشركات فيبدو أمراً غير منطقي؛ فالمتضررون هنا كثر، وهم المساهمون في السوق عامة، والمستفيد قلة تكسب من انخفاض سعر السهم أو ارتفاعه.
كما أن مثل هذه الغرامات توقع الضرر على صورة الاستثمار بالسوق المحلي، خصوصاً من الخارج؛ لأن المستثمر الأجنبي سينظر إلى الأنظمة على أنها قاصرة ولا تحميه من استغلال الإدارات لصلاحياتها، ونعلم أن تقييم الإدارة جزء من القرار الاستثماري، ولا بد من وضع الضوابط التي تمنعها من استغلال موقعها عبر تفعيل التشريعات وممارسة الضغط عليها من خلال الجهات المختصة كالهيئة ووزارة التجارة وكذلك من خلال مرونة عقد الجمعيات العامة وتفعيل دور الأقلية بالتصويت أو بطلب الاجتماعات في كثير من المسائل التي تتعلق بتقييم دور الإدارات ومحاسبتها.
العقوبة والغرامة رادعة بكل تأكيد لأي خلل إداري بالشركات المساهمة، وحوكمة الشركات من المهم تطبيقها دفعة واحدة بدلاً من سياسة الري بالتنقيط المتبعة حالياً، والمساهم يجب أن يفعَّل دوره ويستفيد من الأنظمة التي تسمح له بالتحرك، ولكن بالمقابل علينا النظر ببعض القوانين ومعرفة من المتضرر منها ومن المستفيد بدلاً من تطبيقها دون النظر إلى تبعاتها، ولكن يبدو أن في حالتنا القائمة تجسيداً لمبدأ (الخير يخص والشر يعم).