أن يبدأ المؤتمر الدولي لمصادر المياه متزامناً مع جائزة الأمير سلطان لأبحاث المياه، فهذا يعني تكريماً للجائزة وإثراء للمؤتمر، وحشد الاهتمام الأكثر لموضوع يعد في العصر الحاضر أحد أهم الموضوعات التي تهم البشرية، التي أبرزت اهتمامها بنقص الغذاء ومعالجة الفقر، والأزمة المالية التي أصابت العالم أجمع بدوله الغنية والفقيرة.
كل هذه الهموم والأزمات التي تواجهها البشرية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة، فالغذاء لا يمكن تأمينه بصورة كافية لأفواه البشر دون توفير المياه، وكذلك الفقر تتسع مساحاته في الدول التي تعاني شحاً في هذه المادة فتقل مواردها المالية أو تستنزف بتأمين الغذاء من خارج حدودها.. وهكذا فالماء المحرك الأساسي للحياة مصادقاً لقول الله في كتابه الكريم: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء.
إذن فالاهتمام بالمياه ومصادرها وعقد المؤتمرات ومنح الجوائز للباحثين والعلماء الذين يعملون من أجل تنويع مصادرها وتجويدها، لا يُعد خدمة للوطن والمواطنين بل خدمة لكل البشر والإنسانية جمعاء، كما أنه وفي مثل وضعنا نحن أبناء الجزيرة العربية والخليج العربي الذين نعاني من شح مستمر في المياه تزداد المشكلة وتتسع مخاطرها بعد اندلاع أزمة المناخ العالمية وتأثر مناطق عديدة بهذه الأزمة حيث ارتفعت درجات الحرارة، وضرب الجفاف كثيرا من الدول وقلة نسبة سقوط الأمطار وهذا ما أثر كثيراً في دول المنطقة التي تعاني كثيرا من قلة الأمطار مما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية، وإلى جفاف كثير من الآبار وهذا ما شكل عبئاً كبيراً على دول المنطقة التي أخذت تتجه إلى التوسع والاعتماد على تقنية تحلية المياه المالحة (مياه البحر) وتُعد المملكة الدولة الرائدة ليس في المنطقة، بل في العالم ليس فقط لتوسعها واستثمارها أموالاً باهظة للاستفادة من هذه التقنية لتوفير المياه لبلاد متسعة الأطراف كالمملكة العربية السعودية، بل لتجربتها من حيث الزمن والأقدمية، فالمملكة أول دولة أدخلت تقنية المياه المالحة في البحر وتحويلها إلى مياه حلوة صالحة للشرب، ونشرت محطات التحلية على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي لتصبح أقدم وأكبر دولة في هذا المجال، إلا أن تقنية تحلية المياه ما زالت عالية التكاليف، رغم كل التطور الذي هدف إلى استنباط تقنيات مختلفة وطرق أخرى وتحسين الأساليب والطرق التقليدية، وذلك من خلال عقد اللقاءات والمؤتمرات وتشجيع العلماء والباحثين عربياً ودولياً، وقد برزت المملكة باهتمامها بهذا الموضوع، كما برز اهتمام سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز بإيجاد بدائل وتطوير تقنية المياه المحلاة، والاستفادة من المياه البحرية وقضايا البيئة، إلى تحويل هذه القضية، قضية تنويع مصادر المياه وتطويرها، تحويلها إلى قضية ذات بعد إنساني جعلت من المملكة القطب المحوري لأي ندوة علمية أو مؤتمر دولي أو ورشة عمل ومنتدى يهتم بموضوع المياه، مما جعل تجربة المملكة وبحوث ودراسات علمائها والباحثين في مؤسساتها العملية كالمؤسسة العامة لتحلية المياه ومراكز البحث في الجامعات السعودية التي أسهم سمو ولي العهد في إنشاء كراسي البحث العلمي الخاصة بالمياه.
والذي يطلع على الموضوعات وأوراق البحث التي ستناقش في المؤتمر الدولي لمصادر المياه والبيئة الجافة، الذي سيبدأ اليوم يرى تنوعا وإثراء في هذه الموضوعات ومنها موضوع الخيار النووي لتنقية مياه البحار في البلدان العربية للباحث محمد عبد الرحمن سلامة والذي سنناقشه غدا.
jaser@al-jazirah.com.sa