لكل دولة أنظمتها وقوانينها ومرجعيتها التي تستقي منها هذه القوانين. فلا يمكن أن تعيش - مثلاً - في بريطانيا، ثم تطلب منهم أن يتعاملوا معك وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. وفي المقابل لا يمكن لمواطن بريطاني أن يأتي للعمل في المملكة، ويطلب أن يستثنى من الأنظمة والقوانين السعودية التي ترجع إلى الشريعة، بحجة أنه غير مسلم، أو أنه غير مقتنع بأحكام الشريعة. فعندما تطلب تأشيرة دخول لدولة، أي دولة، فأنت - ضمناً - تقبل بالرضوخ لأنظمتها وقوانينها. كما أن أنظمة وقوانين الدولة، جزء من سيادتها، عندما تتنازل عنها يعني أنها تتنازل عن السيادة الوطنية.
قضية الطبيبين المصريين كما جاء في البيان الذي أصدرته السفارة السعودية في القاهرة هي قضية تتعلق بالأنظمة والقوانين في المملكة. فالحكم عليهما تم بناء على حيثيات جنائية ثابتة جاء حكم القاضي بعد ما تأكد من الأدلة ثبوت هذه التهم. وقد تعودنا نحن السعوديين من الإعلام المصري (الإرجاف)، وتضخيم ردود الأفعال، ومحاولة الابتزاز الإعلامي، في كثير من القضايا التي يكون فيها (المجرم) مصرياً. وعندما نصغي لمثل هذه الأصوات، أو هذه المزايدات، ونرضخ لها، فنحن نسمح للآخرين بالمساس بسيادتنا الوطنية، وحقنا في اختيار المرجعية التي تصدر منها أحكامنا، ويعود إليها قضاتنا.
والطبيبان اللذان حكم عليهما (شرعاً) بالسجن والجلد يسيئان للشخصية (النمطية) المصرية، قبل أن يسيئا للإنسانية جمعاء، ولشرف مهنة الطب التي وظفاها في تنفيذ جريمتيهما. أن تخون الأمانة، وتستغلها بهذه الطريقة البشعة، فأنت (مجرم) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لا ملاك رحمة كما يوصف الطبيب على سبيل المجاز؛ وأن يأتي من يدافع عنهما، ويُصعد بغرض أن يفلت هذان المجرمان من العقاب، هو - مباشرة ودون أي مواربة - شريك بطريق غير مباشر مع المجرم ومتضامن معه.
دعونا نقرأ ما جاء في البيان التوضيحي الذي صدر من السفارة السعودية في القاهرة حول هذه القضية. يقول البيان: (أولاً: هناك خمس تهم موجهة للطبيب الأول (شوقي عبد ربه إبراهيم) تتعلق أربع منها بجلب وشراء وسرقة أنبولات من عقاقير طبية تندرج ضمن المواد المخدرة المحظور استعمالها دون استشارة الطبيب المختص، وإلا باتت نوعاً من المواد المخدرة التي يحظر بيعها أو تداولها. والاتهام الخامس يتعلق بإقامة علاقات محرمة مع عدد من النساء اللائي كان يحقنهن بهذه العقاقير، والاختلاء المحرم بهن. ثانياً: أن هناك أربع تهم موجهة للطبيب الثاني وهو (رؤوف أمين العربي) تتعلق ثلاث منها بالاشتراك في جلب وبيع وشراء أنبولات من عقاقير طبية تندرج ضمن المواد المخدرة المحظور استعمالها دون استشارة الطبيب. أما الاتهام الرابع فيتعلق بحقن زوجة كفيله بهذه العقاقير بهدف التسبب في إدمانها بقصد الكسب غير المشروع، رغم علمه أن هذا العقار لم يكن موصوفا لها، وهو ما يعني الاتجار بالمخدرات وخيانة اليمين والتسبب في إدمان مريضته).
وبدلا من أن تتفهم السلطات الرسمية المصرية ملابسات هذه القضية، وحيثيات ومبررات الحكم، الذي جاء في تقديري (مخففا)، ولا يرقى إلى بشاعة ودناءة الجريمة التي ارتكبها هذان المجرمان، اتخذت وزيرة القوى العاملة والهجرة في مصر قرارا بمنع سفر الأطباء المصريين والعاملات للسعودية ينفذ اعتبارا من 13 نوفمبر 2008م لحين انتهاء أزمة الطبيبين المصريين بالسعودية كما جاء في الخبر.
أعرف أن هناك عددا كبيرا من المصريين يعملون في المملكة، وأن هناك الكثير من المنشآت الطبية الخاصة وربما العامة التي ستتضرر من مثل هذا القرار، غير أن الضرر الأكبر سيلحق بالسيادة السعودية فيما لو رضخنا لمثل هذا الابتزاز غير الأخلاقي. يجب ألا نرضخ مهما كانت التضحيات؛ ولا سيما وهناك بدائل أخرى غير المصريين يمكن أن تلبي الحاجة لمثل هذه التخصصات الطبية.
إلى اللقاء.