كم تكلف الفرصة الوظيفية التي نريد توفيرها للمواطن؟ سؤال يمتلك الإجابة عنه المختصون والمسؤولون عن القوى العاملة. ولكن كم يكلف ضياع فرصة عمل أو التقصير في توفيرها؟ نعتقد أن الإجابة هنا يمكن أن تشارك فيها جهات عديدة صحية واقتصادية وأمنية وتربوية واجتماعية وتثقيفية وغيرها؛ حتى يخيل إلينا أن كافة مؤسسات المجتمع لديها إجابات متعددة عن التكلفة التي يتحملها المجتمع جراء عدم توفير فرصة عمل لأبنائه؛ فالأمر فيه من المخاطر ما لا يخفى على أحد مهما كانت انتماءاته المهنية والوظيفية، وأياً كانت ظروفه وأحواله في العمل أو خارجه.
والبطالة التي يشتكي منها المجتمع هي آفة مدمرة ومخربة علاوة على كونها تعطيلاً للطاقات ووأداً للقدرات والإمكانات البشرية، ولن نذهب بعيداً عن محاولة تبيان الأخطار التي يتعرض لها المجتمع من تفشي البطالة بين أبنائه؛ فكثيرة هي المعاناة والمآسي والأخطار التي تعرفها المجتمعات نتيجة بطالة أبنائها.
ولذلك تضع الدول من الخطط والإجراءات ما تتوقع أن تجد من خلالها حلولاً لتوفير الوظائف وفرص العمل لأبنائها، كما تكثر الآراء وتتعدد الاجتهادات في إطار المشاركة في طرح الحلول.
وبلادنا التي تواجه مشكلة البطالة وتسعى نحو الخلاص منها في أمس الحاجة إلى حلول عملية حاسمة وسريعة، ولعل من أبرزها ما تنادي به بعض الآراء من اللجوء إلى التقاعد المبكر، وبخاصة في وسط المعلمات؛ ذلك الأمر الذي طال انتظاره، وكثرت حوله الاجتهادات التي تحبذ وجوده والعمل به؛ لما فيه من إيجابيات تنال كثيراً من جوانب حياتنا الاجتماعية والتعليمية.
فالتقاعد المبكر في مهنة التدريس يعدُّ إسهاماً فاعلاً في توفير فرص العمل للمواطنات اللاتي يطول انتظارهن بعد التخرج وإنهاء الدراسة الجامعية دون الحصول على عمل بعد قضاء نحو ست عشرة سنة من الدراسة والتحصيل في كافة مراحل التعليم دون أن تكون لهذه السنوات الشاقة ثمرة حقيقية تعود على الفتاة أو أسرتها بالخير المنتظر أو الثمار المتوقعة التي تبدو آثارها في حياتها الاجتماعية ومستواها المعيشي.
وحتى لا يأخذنا الحديث طويلاً أمام ما يوفره التقاعد المبكر للمعلمات من فرص وظيفية في الوسط النسائي فإن لنا أن نتخيل تلك الأعداد المتزايدة في كل عام التي يمكن أن تترك المجال لغيرها ممن طال انتظارهن لأمل في فرصة عمل لا تزال تراها بعيدة المنال بل هي حلم أو خيال.
ولا تقف إيجابيات التقاعد المبكر عند حدود إتاحة الفرصة للخريجات فحسب - وإن كانت هي الإيجابية الحقيقية الملموسة التي تجعلنا نطالب باستصدار الأنظمة التي تتيح ذلك - فإن طبيعة العمل التعليمي الذي يقع على عاتق المعلمات يحتاج منَّا إلى التفكير دائماً في توفير ماء جديدة متجددة داخل مدارسنا ويكون لديها من الإقبال على العمل والحرص على أدائه بشكل أفضل ما يكفي لمواجهة احتياجات التعليم في المملكة والمتمثلة في تطوير المدرسة لتصبح خلية نحل حقيقية تتضافر فيها جهود العاملين فيها من معلمين أو معلمات وهيئة إدارية وطلاب وطالبات وكل ذلك في حاجة إلى جهود متواصلة وإخلاص وتفان، وبصفة خاصة في المرحلة الابتدائية التي تتشكل فيها شخصية الأبناء وتتحدد توجهاتهم التعليمية؛ ولذلك فنحن في حاجة دائمة إلى ضخ دماء جديدة تستفيد منها مدارسنا حلاً لمشكلة الانطفاء التدريجي لحماسة العاملين والعاملات في المدرسة بفعل مرور الزمن وتراكم المشكلات الاجتماعية والصحية والأسرية التي تنعكس آثارها على كفاءة العمل التعليمي.
إننا لا ندعو إلى عودة المعلمات إلى بيوتهن بعد سن معينة فالاستفادة من خبراتهن المتراكمة هو واجب تمليه محاولاتنا لحشد الجهود والطاقات واستثمار الإمكانات لتحسين واقعنا التعليمي؛ ولذلك فإن التقاعد المبكر يجب أن يكون محاطاً بما يضمن وفاءه بخدمة المجتمع وتقديره للخبرات والإمكانات، وذلك بتوفير الحوافز المجزية للمتقاعدات مبكراً وإتاحة فرص التواصل مع الميدان حتى لا تنقطع الصلة أو تذبل العلاقات بين المدرسة والمجتمع.
وهكذا فإذا كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية تتطلب وجود التقاعد المبكر ولتكن اختيارياً، فإن واقع التطبيق في حالة المعلمات سوف يظهر لنا العديد من المميزات التي تكون لها آثارها الحميدة، سواء في الأسرة والبيت أو في المدرسة والمجتمع؛ ولذا نرجو ألا يطول الانتظار حسماً للعديد من المشكلات وكسباً للكثير من الإيجابيات التي نحن أحق بها ويتطلع مجتمعنا إليها، ويدعو كافة جهات الاختصاص إلى حصرها ودراستها حسماً لمطالب لا يزال المجتمع يردد صداها.. وبالله التوفيق.
-وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام (سابقاً)