خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي لثقافة السلام وحوار أتباع الأديان والحضارات في نيويورك كان واضحا في تحديده لأسباب الصراعات والنزاعات في العالم، وأسباب ظواهر التعصب والإرهاب والجريمة وتعاطي المخدرات. وهذا الوضوح كان من الأهمية بمكان، لأنه صاحب المبادرة، ومن خلال خطابه تتضح معالم هذا المشروع الحضاري الكبير، الذي سماه بعض الساسة بداية لتاريخ جديد.
والمتمعن للخطاب التاريخي يجد أن الأسباب التي ذكرها المليك أربعة، وهي التركيز على نقاط الخلاف بين الثقافات، وغياب العدالة وغياب التسامح وضعف الروابط الأسرية.
ولكل من هذه الأسباب نتائجها المدمرة.
فالخلاف بين الثقافات أمر طبيعي ولا يمكن إلغاؤه، فهي من نواميس الكون التي وضعها الله تعالى. والهدف من هذا الاختلاف هو لتمييز الناس بعضهم عن بعض، لكي يتعارفوا، كما قال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وهي الآية التي ختم الملك عبد الله بها خطابه.
أما استغلال هذه الاختلافات بين الشعوب لتأجيج الصراعات، وإشعال الفتن، حتى باتت بعض الدول تعاني مما يسمى القتل على الهوية، فهو أمر في غاية الخطورة وجريمة عظيمة بحق الإنسانية.
ولذلك، فلا بد من تنشئة الأجيال المتعاقبة على استثمار الاختلافات بين الشعوب في إثراء ثقافاتها وليس في إلغائها ومحاربة بعضها بعضا.
المشكل الآخر الذي اعتبره الملك سببا لكل مأساة يكمن في غياب العدل. فكثير من الصراعات في العالم سببها الاعتداء على حقوق الآخرين، وثقة المعتدي بأنه سينجو من العقوبة لأن الميزان الذي يحكم عالم اليوم مع الأسف الشديد هو ميزان القوة وليس ميزان العدل. وأكبر شاهد على ذلك القضية الفلسطينية، فغياب العدل والرادع الذي يردع الظالم عن ظلمه سبب وواضح وفاضح في ضياع حقوق المسلمين.
أما المشكل الثالث فهو غياب التسامح، وهو النواة الأولى لظاهرة الإرهاب الدولي. فالإرهابيون هم إقصائيون بطبعهم، ولا يمتلكون القدرة على استيعاب الآخر، والتفاهم معه بالتي هي أحسن، لذلك فإنهم يعالجون خلافاتهم مع الآخر عبر التفجير وقتل الأبرياء.
ورابع هذه الأسباب هو ضعف الروابط الأسرية الذي يتسبب في خلق أجيال ضائعة هوت في أوحال الجريمة والمخدرات. وباتوا ضحايا لعصابات الإرهاب والجريمة المنظمة. ولربما كان القضاء على كثير من الظواهر الاجتماعية الخطيرة ينطلق من تقوية أواصر القربى، لأن الأسرة هي المنهل الأول لتلقي القيم الإنسانية الرفيعة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244