Al Jazirah NewsPaper Friday  14/11/2008 G Issue 13196
الجمعة 16 ذو القعدة 1429   العدد  13196
الحوار شقيق السلام
بقلم: خالد المالك

منذ أن كان وليا للعهد، وإلى أن بويع ملكاً للمملكة العربية السعودية، ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحمل راية الحوار، ويتبناه داخليا وخارجيا، من غير أن يشغله عنه شاغل، إلى أن توج هذا الجهد الكبير في نجاحه بعقد اجتماع تاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة لتناقش أفكاره، ومن ثم الاتفاق بين زعماء العالم على آلية العمل لتحقيق وتفعيل وانجاز ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين.

***

وأمام هذا المحفل الكبير قال عبدالله بن عبدالعزيز، بأن الأديان لا ينبغي أن تكون سببا في شقاء البشرية، وأن الإنسان نظير الإنسان في الخلق، وشريكه على هذا الكوكب، فإما أن يعيشا معا في سلام وصفاء، وإما أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية، بمعنى أن خادم الحرمين الشريفين وهو يتبنى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، أراد أن يقول إن الأديان هي لإسعاد البشرية، وأن من الخطأ أن تنشغل دول العالم وشعوبها في خلافات تقود إلى حروب وصراعات مدمرة.

***

لكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ذهب إلى ما هو أكثر، بأن ذكّر زعماء العالم بأنه قد آن الآوان بأن نتعلم من دروس الماضي القاسية، فلا نختلف وإنما نجتمع على الأخلاق والمثل العليا، أما ما نختلف عليه - دينياً - فالفصل فيه في عالم الغيب ويوم الحساب، ما يعني أن أزمات العالم بنظر الملك عبدالله لا تعدو أن تكون تنكّر الخلق لمبدأ العدالة الخالد.

***

وبينما يستمر خادم الحرمين الشريفين بالحديث عن أهمية الحوار بين الأديان والثقافات، يؤكد بأن الإرهاب والإجرام هما عدوا كل دين وكل حضارة، وأن ظهورهما جاء مع غياب مبدأ التسامح، وأن اهتمامه الشخصي بالحوار انطلق وينطلق من تعاليم ديننا الإسلامي وقيمنا الإسلامية، فضلا عن ان اشفاقه على العالم الإنساني وحماسه ليجد مخرجا من مآسيه هو ما شجّعه على تبني هذا الحوار.

***

إن الحوار - يقول الملك - حين يتم بطريقة حضارية فإنه كفيل بإحياء المثل العليا السامية، وإعادتها إلى الشعوب والأمم، وأن ذلك يمثل انتصارا باهرا لأنبل ما في الإنسان على أسوأ ما فيه، مضيفا بأن الحوار يمنح الإنسان الأمل في مستقبل يسود فيه العدل والأمن والحياة الكريمة على الظلم والخوف والفقر.

***

ولم يكتف الملك عبدالله بأن يعلن في كلمته أمام العالم أهمية الحوار بين أتباع الديانات والثقافات والحضارات لتصحيح أوضاع العالم وسد فجوة الخلافات بين الدول والشعوب، وإنما أكد بأنه سيتابع ما بدأه من خطوات، وأنه سيمد يديه لكل محبي السلام والعدل والتسامح، بل إنه دعا المتحاورين في مدريد إلى اختيار لجنة تمثلهم بحيث تتولى مسؤولية الحوار في الأيام والأعوام القادمة، لضمان أن يعطي الحوار النتائج التي توخاها وسعى إليها خادم الحرمين الشريفين.

***

والكلمة مع أنها جاءت قصيرة، إلا أنها جاءت غنية، وحملت من الأفكار والرؤى ما يكفي لتمهيد الطريق لقطار الحوار، بحيث لا تبقى دولة واحدة مهمشة من المشاركة ومحرومة من نتائج الحوار، أو أن القطار قد فاتها فلم يعد بوسعها اللحاق به بعد ذلك، في ظل هذه الأجواء الحميمية والأخوية التي حدد اطارها خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي اعتمد فيها على عقيدة راسخة يؤمن بها، ومثل عليا يتمسك بها، وخبرة طويلة تمكنه من أن يقول بثقة وصراحة ووضوح ما يؤمن به، مع قناعة مسبقة بنجاح مشروعه التوفيقي للحوار، كما نجحت مشاريعه الإنسانية الأخرى.

***

ولعل من استمع إلى كلمات زعماء العالم، قد تأكد له أنها ليست مصادفة أن يجمع كل هؤلاء الزعماء على الإشادة بدعوة الملك عبدالله إلى الحوار بين أتباع الديانات والثقافات، والترحيب بها ودعمها ومساندتها، بل إن هذا التمثيل رفيع المستوى في حضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة من قبل زعماء العالم لمناقشة ما توصل إليه اجتماع مدريد، ومن ثم الاتفاق على ما يعزز دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار، إنما يظهر مكانة وأهمية المملكة، وما يحظى به الملك عبدالله بن عبدالعزيز من احترام وتقدير لدى زعماء وشعوب العالم، نسبة إلى مواقفه وانجازاته والمبادئ التي يلتزم ويؤمن بها، مما ساعد على نجاح دعوته إلى الحوار على النحو الذي لم تحققه دعوات مماثلة أشار إليها بعض الزعماء في كلماتهم خلال حفل الافتتاح.

***

وبمثل هذا الطرح الجميل، يقود عبدالله بن عبدالعزيز بلاده لتكون دولة حضارية تمثل بمواقفها أنبل المبادئ والقيم، ضمن مسيرة تاريخية طويلة رسم معالمها الملك عبدالعزيز في علاقاتها الدولية المتميزة، بحكم أنها الدولة الإسلامية المؤهلة لأن يسمع صوتها، ويؤخذ برأيها، ويستنار بحكمة قادتها، في زمن يبحث فيه العالم عن صديق مخلص، وعن شريك محب للسلام، ضمن مقاومة الإنسان السوي للحقد والكراهية والإرهاب، فإذا بها المملكة وإذا به عبدالله بن عبدالعزيز، فالحوار شقيق وصديق ورفيق السلام، ومن غير الحوار لن تكون للعالم فرصة لأن ينعم أو يستظل بالسلام.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 2 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد