مشهد أول:
في ليلٍ هدأت رياحُه وصَفَت سماؤه، استيقظ سكانُ مجمعٍ سكني تابع لأحد المجمعاتِ الطبية في الرياض على صرخات زوجة وأطفالها، بعد أن ضربها ونكل بها ثم طردها وصغارها ذلك الطبيب والأكاديمي الشهير، الذي كان طالباً لا يشقّ له غبار ذكياً ألمعياً قد فاق أقرانه وتخرّج من أرقى الجامعات ووصل إلى أعلى الدرجات العلمية.! ومع هذا فقد فشل ذريعاً في حياته الزوجية والعملية فما السر في تلك المفارقة!
مشهد ثانٍ:
عبد الرحمن شاب معدّلاته تصنّف على أنها متوسطة في جميع المراحل الدراسية ثم تخرّج من كلية عادية، ولكنه كان يحظى بحب واحترام الجميع، وقد اكتسب ثقة مدرائه فتدرّج في المناصب حتى وصل إلى قمة هرم شركته، دون أن يكون الأعلى شهادة أو الأكبر عمراً أو الأكثر خبرة! فكيف حاز عبد الرحمن على كل تلك الأوسمة والنجاحات رغم بساطة شهادته ومعدّلاته؟!
الوهم الكبير:
إنّ الجناية الكبرى التي جناها بعض علماء النفس على البشرية، أنهم اختزلوا وضيّقوا نطاق الذكاء وحصروه في الذكاء العقلي، فلقب ذكي إنما يوهب لمن حقق درجة عالية في اختبار iQ (اختبار الذكاء المنطقي) أو الذي يحصل على معدّلات دراسية عالية فقط وانتبهوا مؤخراً إلى أنّ الذكاء الأهم والمؤثر على نجاح الإنسان وسعادته يعود إلى ذكاء من نوع آخر فما هو يا ترى؟!
السر:
يكمن السر في تلك المفارقات العجيبة بين فشل الطبيب ونجاح عبد الرحمن في وجود ما يسمّى بذكاء المشاعر أو الذكاء العاطفي Emotional intelligence وهو الذكاء اللازم لصناعة حياة ناجحة سعيدة، ويُعد الذكاء العاطفي من المفاهيم العصرية ويعرف بأنه: قدرة الفرد على التفاعل الإيجابي مع مشاعره ومشاعرالآخرين! وكان المسبب الأول لفشل الطبيب هو تدنِّي نسبة الذكاء العاطفي رغم الحضور القوي للذكاء العقلي، وفي المقابل كان الذكاء العاطفي هو الذي مكّن عبد الرحمن من تحقيق تلك النجاحات فكم من شخص نال أعلى الشهادات تراه يغضب لأتفه سبب ويسقط لأدنى تحد ويغرق في شبر ماء بل وتجد الكثير منهم يائساً كئيباً لدرجة استهلاك كل طاقاته، فلا تجد علمه ينفعه ولا شهادته تفيده ولربما قضى حياته مذموماً مدحوراً!
وكثير من ذوي التحصيل العالي علمياً قد لا يحظوا بحب أو احترام الآخرين فضلاً على أن يكونوا قادة ناجحين!! ومن المعروف أنّ الكثير من مدمني المخدرات والمجرمين كانوا من الأذكياء بالمعنى العقلي، بل إن هناك جرائم وحشية تقشعرُّ لها الأبدان قد قام بها شريحة من أكثر الناس علماً وذكاء!
وقد أثبتت هذه الدراسات أنّ الذكاء العاطفي هو العامل الأبرز في نجاح الكثير ويشكل ما نسبته 85% من عوامل النجاح في الحياة. فالذي يمتلك ذكاءً عقلياً مرتفعاً قدرته تنحصر على التعامل القوي مع الأرقام والمسائل الرياضية فقط، وقد لا يسعفه ذلك على إتقان التعامل مع نفسه ومع الآخرين!
إنّ أمية المشاعر تعبير عن الاستسلام لسورات الغضب ودواعي الهوى وعدم القدرة على مواجهة المشكلات والنزق وهشاشة العلاقات الاجتماعية، ومع تلك الأمية تكون الخسائر الهائلة في الحياة, وقد وجد أنّ 80% من الذين حازوا على مستوى 160 درجة في اختبار الذكاء يعملون تحت إدارة أشخاص لم يتجاوز مستوى ذكائهم 100 والسبب في ذلك يعود إلى الذكاء العاطفي الذي تميّز بها هؤلاء!
ومن حسن الحظ أنّ الذكاء العاطفي قابل للتطوير والتعلية بهامش أكبر بكثير من الذكاء العقلي وهذا من فضل الله ونعمته، وفي العدد القادم سيتواصل الحديث عن مفردات الذكاء العاطفي بإذن الله فتابعونا!
ومضة قلم
الريش الجميل ليس كافياً ليصنع طائراً جميلاً
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244
khalids225@hotmail.com