Al Jazirah NewsPaper Friday  14/11/2008 G Issue 13196
الجمعة 16 ذو القعدة 1429   العدد  13196
مؤكداً أنه لا يحق للورثة التغيير في الوصية.. قاضي التمييز د. الخضيري لـ (الجزيرة):
الاستيلاء على الوقف من الأقارب عمل منكر وضلال واستحلال لأموال اليتامى والمساكين

الرياض - خاص بـ (الجزيرة)

تحدث فضيلة الشيخ إبراهيم بن عبدالله الخضيري قاضي التمييز بالرياض عن الوصية، وما يحدث من إشكالات عند تغيير الوصية بين الورثة، وما يترتب على ذلك من قطيعة رحم بين أفراد الأسرة الواحدة؛ فقال: إن الوصية الشرعية التي أذن الله بها للمسلمين هي الثلث فأقل يوصي الإنسان بالثلث فأقل من ماله في أعمال البر بعد موته ويحدد المصارف فإذا أوصى بها اعتبرت وقفاً منذ وفاته، والعبرة بتقديرها وتقرير قيمتها هو كما نص عليه أهل العلم وقت الوفاة في انعقاد الوقفية، وإذا انعقدت الوقفية فإن الوقف هو تحبيس الأصل وإسبال المنفعة لمن أراد أن ينتفع بها على المصاريف الشرعية وثوابه وأجره لمن نوى له - بإذن الله تعالى - هذا الوقف قربة من القربات وعملاً صالحاً؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث..) وذكر منها (صدقة جارية).

وواصل القول: إن الوقف هو من الصدقة الجارية ولا يحل للورثة الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يأخذوا هذا الوقف؛ لأنهم إذا أخذوه وسرقوه فإنما هم كالذي يأكل أموال اليتامى ظلماً فيخشى عليهم من عذاب أليم وعقاب عظيم وبلاء مبين، وهو لون من ألوان العقوق التي تكون من الورثة لميتهم؛ فلا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يستحل ما حرم الله؛ فيأخذ مالاً يرثه وهو ليس له ميراث، يزعم أنه حق له؛ فهذا عمل منكر وباطل وضلال مبين لا يجوز له بكل حال. وبناءً عليه فإن هذا المال الذي يأخذه الإنسان حراماً يكون سحتاً يبتلى بسببه بالأمراض ويبتلى بسببه بعقوق الأبناء ويبتلى بسببه بالسحت، قال عز وجل: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يمحق أي يزيل نفعه وبركته ويحدث بسببه من الإضرار ما يلحق المحق والبلاء والجهد والضيق والضنك لأصحابه، وهذا مشاهد معلوم.

وأردف يقول: ولهذا لا يحل للورثة الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يخفوا وصية الموصي أو يتحايلوا على إبطالها أو يلتمسوا السبل لإخفائها وأكلها فإن الله حسيبهم يوم القيامة، وهذا - كما أشرت سابقاً - يورث عقوقاً للميت وعقوقاً من الأبناء عقوبة عاجلة ويورث أمراضاً وبلاءً مبيناً.. نسأل الله العفو والعافية؛ ولهذا فإن الوصية إذا كانت شرعية مكتملة بشروطها الشرعية، وقد أوصى الميت بما أحل الله؛ فلا يحل للورثة إخفاؤها ولا إبطالها ولا إضاعتها. أما إذا أوصى الميت على قبر أو أوصى على منكر أو أوصى على محرم؛ كأن يقول: ثلثي يصرف رواتب لسدنة القبور أو يقول: ثلثي للمطرب الفلاني أو المطربة الفلانية مقابل حفلاتهم الغنائية أو يقول: ثلثي للبغايا اللائي يمارسن البغاء لإعانتهن على ذلك أو يقول: ثلثي لليهود أو ثلثي للنصارى؛ فإن هذا محرم بكل حال ويبطل المصرف وينعقد الوقف فيصرف في أعمال البر والخير والإحسان، وحينئذ تتولى المحاكم الشرعية الإسلامية معالجة هذا الضرر وتصريف الوقف بما يعود بالنفع على الميت؛ لعل الله يتوب عليه ويغفر له.

وبين الدكتور إبراهيم الخضيري أن بعض أهل العلم يقول إن الوقف لا ينعقد في أصله فيرجع ميراثاً، وعلى كل حال فإن الأمر يرجع إلى القاضي الشرعي الذي يُعمل فكره وعقله باستخراج الأدلة من النصوص الشرعية وفهم دلالاتها وتكييفها فقهياً وإيقاعها على النازلة التي حلت وإصدار حكمه وحينئذ يكون حكمه رافعاً للخلاف. ومما ينبغي أن يعلم أن المحاكم في المملكة العربية السعودية - ولله الحمد والمنة - تدافع عن الموتى في قبورهم، وتدافع عن الأحياء؛ فتحاول إنجاءهم من النار وسلوك صراط الله المستقيم وإبعادهم عن الحرام؛ ولهذا يقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما هي قطعة من نار فإن شاء فليأخذ وإن شاء فليدع)، وهو على سبيل الوعيد فإن حكم الحاكم إذا لم يوافق الباطل فإنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً.

وقال فضيلته: ينبغي للمسلم أن يتقي الله - سبحانه وتعالى -؛ فلا يأخذ نصيب الميت ولا يأكله ولا يخفيه ولا يتحايل على إزالته، كما ينبغي لمن أراد أن يوصي أن يراعي ورثته؛ يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: (فإنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)، ولما أعتق رجل عبداً له وليس له مال غيره استرجعه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعتق ثلثه وأبقى الثلثين للورثة وأمر العبد أن يكاتب نفسه، وهكذا من أعتق ستة عبيد أرجع منهم أربعة وأمضى اثنين، وقال صلى الله عليه وسلم لسعد لما أراد أن يوصي، قال: الثلث، قال: يا رسول.. يعني كأنه عنده مال كثير، قال: الثلث والثلث كثير. وأوصى أبو بكر - رضي الله عنه - بخمس ماله؛ فينبغي للمسلم ألا يتجاوز الثلث في كل حال، وينبغي للورثة أن يراعوا حرمة الميت ويتقوا الله فيه ويصلحوا ذات بينهم؛ فيبارك الله في أرزاقهم وأموالهم.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد